الجمعة 18 أبريل 2025 07:16 مـ 19 شوال 1446هـ
أنا حوا

رئيس التحرير محمد الغيطي

المدير العام منى باروما

يحدث الآن
فنون وثقافة

السيناريست عماد النشار يكتب: سماء من ورق

السيناريست عماد النشار
السيناريست عماد النشار

ضرب الكساد البلدة كما لم تفعل كارثة من قبل. كان الانحدار بطيئًا لكنه حتميًّا، كأنما يدٌ خفية تُحكم قبضتها على الأنفاس وتعتصر المدينة في قبضة من العدم. الضرائب ترتفع بلا هوادة، والمحال تغلق أبوابها واحدًا تلو الآخر، والناس صاروا يتبادلون الهمسات لا البضائع. لم يعد الهواء وحده مجانيًّا؛ حتى الأمل صار عملة نادرة لا تجد لها من يصرفها.
في المساء، حين يخفت الضوء وتتحول الأزقة إلى أطياف دامسة، يجتمع الناس حول مواقد هزيلة التهمت آخر ما تبقّى من الأثاث. الأمهات يقدّمن لأطفالهن حساءً مائيًّا منزوع الطعم والرائحة، والرجال ينظرون في صمت إلى فراغ لا نهاية له، كأنهم ينتظرون حتفًا يتأخر عن موعده. في شوارعها المهجورة، لم يعد هناك لصوص أو متسولون، لا لأن الأمن قد استتب، بل لأن حتى السرقة والتسوّل فقدا جدواهما في أرض لا شيء فيها يُسرق.
وفي هذا الخراب الصامت، كانت "رُقيَّة" تحاول البقاء.
أرملة في الثلاثين، يسرق منها الليل لون عينيها، تحمل على ذراعها طفلتها ذات العامين، بينما يدها الأخرى تشدّ على كيس من القماش يضم آخر ما تملكه: ساعة يد عتيقة ورثتها عن زوجها، عامل الكهرباء الذي احترق عندما كان يحاول إصلاح مولد المدينة في ليلة شتوية بلا دفء.
لم تكن غريبة عن البلدة. عاشت فيها منذ مولدها، صبية رقيقة، مرحة، تُلقّب بـ"زهرة السوق" عندما كانت تساعد والدتها في بيع الخضار. ثم تزوجت، وأنجبت، وسرعان ما غرق كل شيء في موجة من الفقد.
في السوق، طرقت الأبواب بكبرياء مجروح، تعرض ساعتها للمقايضة. "ما الحاجة للوقت حين لا نجد ما نأكل؟" قال لها البائع، وضحك ضحكة باردة ارتطمت بجدران الصمت.
في الليل، حلمت بأطفال ينظرون إلى السماء التي تمطر مالًا، بينما ابنتها ترسم على الأرض ورقات خضراء تتساقط من السحاب. ضحكت رُقيَّة من الحلم، ثم نسيت.
ثم جاء فجر لم يشبه غيره. استيقظت البلدة على صوت المطر، كان طنينًا خافتًا في البداية، ثم ارتفعت الصرخات، وهرع الناس من بيوتهم، حفاة، مذهولين، ووجوههم مرفوعة نحو السماء.
لم يكن ماءً ما هطل، بل أوراق نقدية، جديدة، زاهية، تتساقط كأن السماء قررت إعادة الحياة إلى الأرض. المال يتطاير في كل اتجاه، يتساقط فوق الأسطح، يتسلل من النوافذ، يرقص في الهواء كفراشات خضراء.
عاد الجنون جميلًا. عاد الأطفال يصنعون طائرات من النقود، والشيوخ يحشون جيوبهم بأحلام قديمة.
أما رُقيَّة، فقد بكت.
اشترت وجبة كاملة لابنتها، للمرة الأولى منذ شهور: خبز حقيقي، حساء دافئ، وقطعة جبن. جلست في الزاوية، تقبّل ابنتها، وتردد همسًا: "السماء لم تنسَنا".
لكن الحلم لم يدم. بعد يومين فقط، بدأت البضائع تنفد. هرع التجار لإحضار المزيد، لكن الأخبار جاءت كالصاعقة: العملة مزيفة. لا قيمة لها في أي سوق. مجرد أوراق أنيقة بلا روح.
انهارت البهجة. البعض أكل المال في نوبة من الهذيان، آخرون صنعوا منه قبعات، أحرقوه، مزّقوه، ضحكوا منه، بكوا عليه، وآخرون جلسوا يحدقون فيه كأنهم يحاولون فكّ تعاويذه.
وفي ذروة الارتباك، حين بلغ اليأس مداه، ظهر رجلٌ كأنه من أسطورة قديمة.
كان أنيقًا، نظيفًا في عالم ملوث. يمشي على الأرض كأنها تُفسح له الطريق. عرّف نفسه بابتسامة واثقة: "أنا مستثمر. ولديّ الحل."
قال إن ما حدث ليس خطأ، بل فرصة. وإنه يستطيع تحويل هذه الأوراق إلى ذهب حقيقي. وعدهم ببناء اقتصاد جديد، عملة عالمية، نظام مصرفي حديث، مدينة ذكية، وجنة على الأرض.
تكلم كما يتكلم الأنبياء، ولم يكن بينهم من يسأل.
وافق الجميع على إنشاء مصرف تحت إشرافه. رهنوا بيوتهم، محالهم، ذكرياتهم، ثم طالبهم بأكثر.
"نحتاج غطاء بشري"، قال. "أنتم أنفسكم، أولادكم، هو الغد الذي نبنيه."
بعضهم تردّد. لكن الأغلبية، المُنهكة، وقّعت على العقد دون أن تقرأه. حلمهم بالجنة كان أثقل من قدرتهم على الشك.
وبُنيت المدينة الجديدة،ناطحات سحاب، مصانع مشتعلة بالنشاط، شوارع مرصوفة، إنترنت، أبراج، عروض ليزر في السماء، مهرجانات موسيقى،لكن لم يكن شيء منها ملكًا لأهلها،صاروا هم المورد، المنتج، القربان.
أُرسل الشباب للعمل في مصانع لا يعرفون أصحابها، وصدّرت المدينة الدم، والعمالة، والأعضاء، حتى الأحلام.
سقط من عارض المشروع، اختفى من تساءل، وتحوّل قادة الرأي والوجهاء إلى تماثيل صامتة، تسقط الواحد تلو الآخر، كأحجار دومينو في لعبة محكمة.
أما "رُقيَّة"، فقد وقفت على مشارف المدينة الجديدة، تحمل ابنتها، وتُحدّق في الأبراج اللامعة،كانت تلمع، نعم.
لكنها عرفت الحقيقة ، أن ذلك الوميض ليس إلا انعكاس لدموع من رحلوا.
أخرجت ساعة زوجها من كيسها، نظرت إلى عقاربها الصامتة، ثم ألقَتها في النهر الذي شارف على الجفاف .
"الوقت لا يعني شيئًا هنا"، تمتمت.
سارت على الطريق القديم، عائدة نحو أطلال البلدة الأولى، حيث لا شيء فيها إلا الصدق، والفقر النظيف.
أما المستثمر، فقد وقف على قمة المدينة، يرقب مملكته بابتسامة عريضة. في جيبه دفتر، وفي دفاتره أسماء، وأرقام، وأرباح، وإحصائيات.
أما الناس، فلم يعودوا بشرًا؛ صاروا أرقامًا باردة في دفاتر المستثمر، ووقودًا أعمى لتروس جنةٍ بُنيت على أنقاضهم، لا من أجلهم.

السيناريست عماد النشار عماد النشار

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,520 شراء 3,543
عيار 22 بيع 3,227 شراء 3,248
عيار 21 بيع 3,080 شراء 3,100
عيار 18 بيع 2,640 شراء 2,657
الاونصة بيع 109,472 شراء 110,183
الجنيه الذهب بيع 24,640 شراء 24,800
الكيلو بيع 3,520,000 شراء 3,542,857
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الجمعة 07:16 مـ
19 شوال 1446 هـ 18 أبريل 2025 م
مصر
الفجر 03:54
الشروق 05:25
الظهر 11:54
العصر 15:30
المغرب 18:24
العشاء 19:45