الإثنين 17 مارس 2025 07:19 صـ 17 رمضان 1446هـ
أنا حوا

رئيس التحرير محمد الغيطي

المدير العام منى باروما

يحدث الآن
فنون وثقافة

السيناريست عماد النشار يكتب: إحنا آسفين يا زمان!

السيناريست عماد النشار
السيناريست عماد النشار

لطالما كانت كل حقبة زمنية تحمل جاهليتها الخاصة، فكما أن لكل عصر تطوره، فلكل عصر أيضًا تخلفه المغلف بأقنعة زاهية. لكن نجيب محفوظ أوجز واقعنا بقوله: "لكل عصر جاهليته، ولكننا اليوم نجمع جاهلية كل العصور." هذه الجملة ليست مجرد تأمل أدبي، بل صرخة احتجاج على واقع صار أكثر تعقيدًا، وأكثر قدرة على تزييف الحقائق، حتى بات الجهل يُباع كمعرفة، والباطل يُروّج كحقيقة.

كان الإنسان دائم التذمر من زمنه، يراه ناقصًا، ظالمًا، متخلفًا مقارنة بالماضي أو المستقبل، وكأن الصراع مع الواقع جزء من طبيعة البشر. وربما لم يكن هناك من عبّر عن هذه الفكرة ببلاغة الإمام الشافعي حين قال:
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيبٌ سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنبٍ
ولو نطق الزمان لنا هجانا

هذه الأبيات ليست مجرد شعر، بل شهادة ضد الإنسان الذي يحمّل الزمن أوزار سلوكه، بينما المشكلة تكمن فيه هو، في انحراف قيمه وتخاذله عن إصلاح واقعه. ولو كُتب لأولئك الذين اشتكوا من زمانهم أن يعودوا إلى الحياة، لرأوا أن ماضيهم الذي نبذوه كان يوتوبيا مقارنة بجاهلية المستقبل، حيث التخلف لم يعد عشوائيًا أو وليد الجهل الفطري، بل صار منظّمًا، ممنهجًا، تديره عقول بارعة في التسويق والخداع.

في الماضي، كانت الجاهلية تعني غياب العلم والفكر، أما اليوم فهي جاهلية تلبس ثياب الحداثة، وتتباهى بتقنياتها الفاخرة. لم يعد التخلف مجرد صفة عارضة في مجتمعاتنا، بل أصبح نظامًا متكاملًا، يُعاد إنتاجه بأساليب حديثة، وبواجهات براقة توحي بالتقدم. الجاهلية اليوم ليست سذاجة عفوية كما كانت في الماضي، بل تخلفٌ مدروس، يُنفق عليه الفكر والمال، وتُصنع له أطر إعلامية ودعائية تجعله يبدو وكأنه هو الصواب، بينما الحق يُصوَّر على أنه انحراف أو رجعية.

إذا كانت الجاهلية القديمة تُحارب الفضيلة علانية، فالجاهلية الحديثة تحاربها بذكاء، تفرغها من مضمونها، وتعيد تعريفها بما يتناسب مع مصالح القوى المسيطرة. صار كل شيء خاضعًا لإعادة التفسير، حتى المبادئ لم تعد مقدسة، بل صارت مجرد أدوات في سوق المصالح. الكذب صار مهارة، والخداع صار فنًا، والانتهازية صارت ذكاءً اجتماعيًا.

في السياسة، لم تعد الأوطان تُحكم بالرؤى والخطط، بل بالشعارات المتوارثة. في كل مرة، يظهر زعيم جديد، يقسم أنه سيقلب الطاولة، ويمحو الفساد، ويبني المستقبل. الجمهور يصفق بحماسة، رغم أن نفس الخطاب تكرر عشرات المرات من قبله، وبنفس الحماسة، ونفس التصفيق، وربما بنفس القميص الذي ارتداه الزعيم السابق!

الناس لا تسأل: كيف؟ بل تنجذب إلى الوعود كما ينجذب العطشان إلى السراب. تتبدل الأسماء، لكن المسرحية ذاتها تُعاد، فقط مع ممثلين جدد، بينما يظل الجمهور هو الجمهور، لا يتغير سوى حجم الأمل المؤجل.

الجاهلية القديمة كانت تُحكم بالسيف والقوة، أما جاهلية اليوم فتحكمها وسائل الإعلام، والخطابات العاطفية، والتلاعب بالمشاعر. لا أحد يسأل عن التفاصيل، عن الآليات، عن الخطط، يكفي أن يكون الخطاب مؤثرًا، ليتم ابتلاعه دون مضغ.

في زمن العولمة، لم تعد المبادئ قيماً ثابتة، بل بضائع تُباع وتشترى وفق العرض والطلب. الفضيلة ليست ما تؤمن به، بل ما يراه الآخرون مناسبًا. النزاهة ليست في الفعل، بل في مدى نجاحك في تسويق صورتك كنزيه. الأخلاق لم تعد مسألة ضمير، بل وسيلة للوجاهة الاجتماعية، تُرتدى عند اللزوم مثل بدلة رسمية في مناسبة رسمية.

صرنا نعيش في عالم يكافئ الانتهازية، ويعتبر الصدق سذاجة، والشرف عبئًا على صاحبه. لم يعد السؤال: هل هذا صحيح؟ بل: هل هذا مربح؟

المبادئ التي كان الناس يموتون من أجلها صارت مجرد شعارات مرنة، يتم تطويعها وفق الحاجة. الجاهلية الحديثة أكثر تعقيدًا من تلك التي سبقتها، لأنها لا تحارب المبادئ مباشرة، بل تُفرغها من معناها، وتعيد تغليفها بما يتناسب مع مصالح أصحاب القوة.

أما العلاقات، فقد تحولت إلى سوق مفتوح، حيث الجميع يعرض نفسه بأفضل صورة، لكن بلا عمق حقيقي. الرسائل الرومانسية تُنسخ وتُلصق لمجموعة مختلفة من الأشخاص، والمشاعر لم تعد تُعاش، بل تُدار كما تُدار الأسهم في البورصة: بذكاءٍ بارد، ومكاسب محسوبة، وخيارات احتياطية جاهزة عند الحاجة.

صار الحب أشبه بإعلان ترويجي، يتم التلاعب به بمهارة، يُستهلك حتى انتهاء الصلاحية، ثم يُستبدل بمنتجٍ آخر أكثر حداثة. في الجاهلية القديمة، كان الحب معركة يخوضها العشاق ضد الأعراف والتقاليد، أما اليوم فهو مجرد صفقة، تُدار بحسابات باردة، وقرارات سريعة، وبدائل لا تنتهي.

وفي الفكر؟ آهٍ على الفكر! لم يعد العقل سلطانًا، بل صار خادمًا للعاطفة والمصلحة. لم يعد الناس يبحثون عن الحقيقة، بل عن ما يؤكد أفكارهم المسبقة. صارت الفتاوى تُستخرج كما تُستخرج التأشيرات، وفق الطلب، وصار التاريخ يُعاد تفسيره كل مرة حسب الحاجة.

نعيش في عصرٍ لم يعد الجهل فيه مجرد نقص في المعرفة، بل بات صناعة لها مختبراتها، ودُعاتها، ومؤتمراتها. يُعاد تدوير الأكاذيب في قوالب أكثر جاذبية، تُضاف إليها المؤثرات الصوتية، ويُطبع عليها ختم "حقائق لا تُناقش"، حتى يطمئن الجمهور إلى أنه ليس بحاجة للبحث أو التفكير، فكل شيء قد قُدِّم له جاهزًا، فقط عليه أن يستهلك.

كل عصرٍ عرف جاهليته، لكن جاهليتنا تفوقت على الجميع، فجمعت كل أشكال التخلف السابقة، وأضافت إليها فنون الخداع الحديث. نحن لا نعيش في عصر الحداثة، بل في جاهلية فاخرة، أكثر بريقًا، أكثر خداعًا، وأكثر انتشارًا.

ربما لو عاد نجيب محفوظ، لرأى أن جاهلية عصره، التي رآها شاملة، كانت لا تزال تملك بعض المروءة مقارنة بما نحن فيه. ولو امتد العمر بالشافعي، لما اكتفى ببيته الشهير، بل ربما كتب ديوانًا كاملًا يرثي زمنًا صار العيب فيه فضيلة، والفضيلة عبئًا على أصحابها.

نحن الذين صنعنا هذه الجاهلية، وألبسناها قناع الحداثة حتى خدعتنا قبل أن تخدع غيرنا. فهل نستحق المستقبل الذي نحلم به، أم أننا مجرد ورثة لجاهلية لا تعترف بخطاياها؟.

السيناريست عماد النشار عماد النشار إحنا آسفين يا زمان

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,520 شراء 3,543
عيار 22 بيع 3,227 شراء 3,248
عيار 21 بيع 3,080 شراء 3,100
عيار 18 بيع 2,640 شراء 2,657
الاونصة بيع 109,472 شراء 110,183
الجنيه الذهب بيع 24,640 شراء 24,800
الكيلو بيع 3,520,000 شراء 3,542,857
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الإثنين 07:19 صـ
17 رمضان 1446 هـ 17 مارس 2025 م
مصر
الفجر 04:36
الشروق 06:03
الظهر 12:03
العصر 15:29
المغرب 18:04
العشاء 19:21