السيناريست عماد النشار يكتب: وَهُمْ مِنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَيَغْلِبُونَ


بعد هزيمة الروم على يد الفرس، حزن المسلمون لذلك، خاصة أن الروم كانوا من أهل الكتاب وكانوا يتمنون لهم النصر. وقد استغل المشركون هذا الحدث للطعن في الإسلام، معتبرين أن غلبة الروم تعني الهزيمة للمسلمين أيضًا. لكن الله تعالى رد عليهم، فأنزل سورة الروم، مبشرًا المؤمنين بأن الروم سيغلبون الفرس في بضع سنين،"الم. غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ" (الروم: 1-4)
تحققت النبوة بعد سبع سنوات بانتصار الروم، لتكون بشارة قوية للمسلمين بأن وعد الله لا يخلف، وأن الأمل يبقى حيا حتى في أوقات الهزيمة.
كما كانت هزيمة الروم على يد الفرس فرصة للشماتة والتشكيك من المشركين والمنافقين، فإن جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي تشهده غزة اليوم دفعت الصهاينة والمتصهينين للتشفي في غزة ومقاومتها، التي أحيت القضية من سبات عميق. لكنهم لا يدركون أن التاريخ يعيد نفسه، وأن في قلب المحن يولد الأمل، وأن الأمة لا تُقهر بل تُصقل لتنهض أقوى من قبل.
اقرأ أيضاً
السيناريست عماد النشار يكتب: فن عشق القراءة
السيناريست عماد النشار يكتب: أنقذوا الطبيب محمود قنيبر قبل أن نفقده للأبد!
السيناريست عماد النشار يكتب: الحقّ ينتصر بذاته وبأدواته
السيناريست عماد النشار يكتب: سَنَوَاتٌ بِلَا بَرَكَةٍ.. وَعَاصِفَةٌ عَلَى كُلِّ الطُّرُقِ
السيناريست عماد النشار يكتب: إحنا آسفين يا زمان!
السيناريست عماد النشار يكتب: قَطَايفُ سَامِحٍ وَقِطَّةُ مِهْسَاسٍ
السيناريست عماد النشار يكتب: العَالَمُ يُدَارُ بِمِقْيَاسِ بُرُوكْرِسْت
السيناريست عماد النشار يكتب: إلى ربات ”الروبوت”!
السيناريست عماد النشار يكتب: العالم في حالة هذيان.. الجنون يجتاح السياسة والمجتمع والإعلام
السيناريست عماد النشار يكتب: زينب بنت جحش: بين أمر السماء واختبار القلب
السيناريست عماد النشار يكتب: شَهْرُ الفَرَحَةِ، فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا
السيناريست عماد النشار يكتب: مدارس الزعيم الأباصيري للأخلاق الحميدة!
لقد مرت أمتنا عبر التاريخ بمحنٍ عاصفة، وهزّاتٍ عنيفة، كأنّ القدر أراد بها أن تستفيق من سباتها الطويل. كلّ نازلةٍ حلّت بها، وكلّ جرحٍ نازف، لم يكن إلا صيحة تنبيه، ورسالة يقظة، علّها تعود إلى ذاتها وتنهض من تحت الركام. فما بين الاستعمار والانقسام، والخذلان والتبعية، كتبت الأمة فصولًا مريرة من الألم، لكنها أيضًا كتبت — في كل مرة — بذورًا للأمل، ونبضًا للحياة، ورغبة في التحرر والانبعاث.
في أوقات البلاء، تُصقَل الأرواح كما تُصقَل السيوف، تُغربل القلوب، وتنكشف الحقائق على حقيقتها المجرّدة. هكذا تفعل الحرب في غزة، لا تترك أحدًا على حاله، تُعيد تشكيل النفوس، تجعل من الطفل رجلاً، ومن الأم حصنًا، ومن الكلمة مقاومة. هناك، في غزة، لا تُمنح دروس الحياة على مقاعد المدارس، بل تُكتب على الجدران المهدّمة، وتُروى بالدماء لا بالحبر.
في ظل المحن التي تمر بها الأمة، يصبح دور الكاتب أكثر من مجرد نقل للحقائق أو سرد للأحداث؛ إنه صوت الأمة الحي الذي يعبر عن آلامها وآمالها.
الكاتب في هذه الفترات هو من يحمل الهم الجمعي للمجتمع، ويُسجل تاريخه بالدماء لا بالحبر. من خلال كلماته، يُشعل النار في النفوس لانتزاع الأمل من بين الأنقاض، ويُكافح من أجل الحفاظ على الذاكرة الجماعية للأمة، ليظل صوت الحق مسموعًا في زحمة الصراعات.
إن الكاتب في هذه الظروف لا يقتصر دوره على تسليط الضوء على مآسي الأمة، بل هو الذي يعيد تشكيل الوعي الجمعي، ويُحفز على التغيير، ويُبث الأمل في قلوب الناس، حتى في أحلك اللحظات.
غزة اليوم ليست مجرد مدينة تحت النار، بل هي مرآة لزمن مضى، حين دخل الصليبيون بيت المقدس عام 1099، فارتكبوا أبشع المجازر، قتلوا الشيوخ والنساء والأطفال، حتى خاضت خيولهم في الدماء. لم يكن ذلك حدثًا عابرًا في كتب التاريخ، بل جرحًا مفتوحًا في ذاكرة الأمة، يُعاد اليوم بثوب جديد، بلون الدخان ذاته، وبرائحة الدم ذاتها، ولكن بمقاومة أعظم.
ثم جاء صلاح الدين، الرجل الذي لم يُولَد في زمن النصر، بل صُقِل في زمن المحن، في زمن التراجع والانكسار.
لم تَصنعه القصور ولا الألقاب، بل صنعتْه المحنة، تمامًا كما تُصنع اليوم في غزة قلوب لا تُقهر. حرر بيت المقدس لا بالسيف فقط، بل بروح الصبر والإيمان، فكان نصره درسًا خالدًا: أن الأرض لا يحررها إلا من عرف طَعم الفقد، وسجد على التراب باكيًا لا متخاذلًا.
ما يحدث في غزة اليوم ليس نهاية، بل مخاض بداية، فالألم العميق يُنبت الصبر، والصبر يُنبت النصر. إنهم يريدون أن يُنهكوا هذه البقعة الصغيرة، لكنهم لا يعلمون أن غزة تعرف ما يستحق التضحية، وتعرف ما يجب إهماله: الخوف، اليأس، الخنوع.
وكما عادت القدس يومًا، ستعود اليوم أيضًا، على يد من تربّوا على أصوات القصف لا الأغاني، وعلى رائحة البارود لا العطور. هناك، في كل طفل تحت الركام، بذرة صلاح دين قادم، لا محالة