السيناريست عماد النشار يكتب: الحقّ ينتصر بذاته وبأدواته


لم يكن التاريخ يومًا ساحة للضعفاء، ولا انتصرت قضية عادلة لأنها كانت عادلة فقط، بل لأنها امتلكت الأدوات التي تجعلها صامدة أمام أعدائها. منذ الأزل، والحقّ يخوض معاركه، لكنه لا ينتصر لمجرد كونه الحق، بل لأنه يُحسن استخدام السيف حين يجب أن يُستخدم، والكلمة حين تكون أبلغ من الرصاص، والحجة حين يكون ميزان العدل هو الفيصل.
ولعل كلمات الشيخ محمد الغزالي تعبّر عن هذه الحقيقة بوضوح حين قال:
"قد يكون الحق معك، ولكنك لا تحسن الوصول به، ولا تجيد الدوران معه حول منعطفات الطريق لتتفادى المآزق وتخطى العقبات وتبلغ به ما تريد. وقد يكون الباطل مع غيرك، ولكنه يلبسه ثوب الحق، ثم يجيد الانطلاق معه حتى يصل به إلى حيث ينبغي أن يصل الحق. وترى أنت ذلك فتتألم له تألماً قد يكون ساكناً فيعزلك عن المجتمع، وقد يكون صاخباً فتتضاعف معه أخطاؤك فيتنكر لك الناس. كل ذلك والحق معك والباطل مع غيرك."
اقرأ أيضاً
السيناريست عماد النشار يكتب: سَنَوَاتٌ بِلَا بَرَكَةٍ.. وَعَاصِفَةٌ عَلَى كُلِّ الطُّرُقِ
مسلسل ظلم المصطبة، جلسة بشعة تكشف الحقيقة وحمادة يحتفل بالرصاص
السيناريست عماد النشار يكتب: إحنا آسفين يا زمان!
برج الحمل، لا تتسرع وابحث عن الحب الحقيقي
السيناريست عماد النشار يكتب: قَطَايفُ سَامِحٍ وَقِطَّةُ مِهْسَاسٍ
لغز القـ،ـاتل يتعقد، سوزان نجم الدين تقترب من الحقيقة في المسار
مسلسل إخواتي، أحداث مشوقة في الحلقة 13 وتطورات مثيرة في رحلة البحث عن الحقيقة
السيناريست عماد النشار يكتب: العَالَمُ يُدَارُ بِمِقْيَاسِ بُرُوكْرِسْت
السيناريست عماد النشار يكتب: إلى ربات ”الروبوت”!
ولاد الشمس الحلقة 9، مفتاح يكتشف الحقيقة وماجد يحاول فرض سيطرته
السيناريست عماد النشار يكتب: العالم في حالة هذيان.. الجنون يجتاح السياسة والمجتمع والإعلام
السيناريست عماد النشار يكتب: زينب بنت جحش: بين أمر السماء واختبار القلب
إنها إشكالية أزلية: لماذا يبدو الباطل قويًّا رغم فساده، بينما يتعثر الحق أحيانًا رغم سموّه؟ والجواب يكمن في الأدوات.
حين قال الله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ" (الأنفال: 60)، لم يكن الحديث عن القوة خيارًا، بل واجبًا، لأن الحقّ بلا قوة كاليتيم بين الذئاب، لا يحميه نقاؤه، بل يطمع فيه من لا يؤمن به.
وقد عبّر الفيلسوف الإيطالي نيكولو مكيافيلي عن هذه الحقيقة حين قال: "القوانين بلا سيوف، مجرد كلمات لا وزن لها."
وفي مشهد آخر من التاريخ، أدرك الفيلسوف الصيني صن تزو، صاحب كتاب فن الحرب، أن الصراع بين الحق والباطل ليس مجرد مواجهة بين قوتين، بل بين ذكاءين، فقال: "الحرب تُكسب بالاستعداد الجيد، لا بالنيات الحسنة."
فلا يكفي أن يكون الإنسان على صواب، بل يجب أن يكون مستعدًا للدفاع عن هذا الصواب بكل ما يملك.
ويقول الكاتب الإيرلندي إدموند بيرك: "الشيء الوحيد الضروري لانتصار الشر هو ألا يفعل الرجال الصالحون شيئًا."
وهنا تتجلى خطورة السكوت عن الظلم، فالصمت في مواجهة الباطل ليس موقفًا محايدًا، بل هو وقود لاستمراره، كما قال أحد الحكماء: "سكوت أهل الحق عن الباطل هو أول خطوات انتصاره."
"حين سكت أهل الحق عن الباطل، توهّم أهل الباطل أنهم على حق." – الإمام علي بن أبي طالب
وهذا المعنى تؤكده الآية الكريمة:
"وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً" (الأنفال: 25).
فالفتنة إذا عمّت، لم تقتصر على الظالم وحده، بل طالت الجميع، حتى الصالحين الذين سكتوا عن الحقّ، وظنوا أن الأمر لا يعنيهم.
وفي ذات السياق، قال جورج أورويل، صاحب رواية 1984: "في وقت الخداع العالمي، يصبح قول الحقيقة عملاً ثوريًا."
لهذا لم يكن أصحاب الحق يومًا مجرد مقاتلين في ساحات الحروب، بل كانوا كتابًا، خطباء، صحفيين، مفكرين، يدركون أن نشر الحقيقة لا يقل أهمية عن حمل السلاح في وجه الظلم.
وفي قاعات المحاكم، حيث يفترض أن ينتصر العدل، فإن القضاة لا يحكمون بالعواطف، بل بالأدلة.
وكم من قضايا خسرها أصحابها لأنهم لم يجيدوا تقديم براهينهم، بينما نجح خصومهم في ارتداء قناع الحقّ؟
وقد رأينا عبر التاريخ قضايا ظُلم فيها أبرياء لأنهم لم يمتلكوا الدفاع القانوني القوي، بينما نجا مجرمون لأنهم أحسنوا التلاعب بالأدلة. إن مواجهة الباطل لا تكون فقط بامتلاك الحقيقة، بل بامتلاك القدرة على إثباتها والدفاع عنها، وإلا فإن العدالة قد تُختطف أمام أعين الجميع.
من أخطر ما يواجهه أصحاب الحقّ، ليس قوة خصومهم، بل مهارتهم في تزيين الباطل، وجعله يبدو وكأنه الحق. فكم من طغاة وقفوا في ميادين التاريخ بلسان فصيح، وأقنعوا الجماهير أنهم المنقذون، فيما تراجع أصحاب القضايا العادلة لأنهم لم يمتلكوا نفس القدرة على الإقناع؟
يقول الفيلسوف الفرنسي فولتير: "الذين يجعلونك تصدق السخافات، يمكنهم أن يدفعوك لارتكاب الفظائع."
والتاريخ مليء بالأمثلة على أنظمة استبدادية استخدمت الإعلام والتلاعب بالعقول لتقديم الباطل في صورة الإصلاح، مما أدى إلى كوارث إنسانية. فالقوة ليست فقط في السلاح، بل في القدرة على التأثير، وهذا سلاح يجب أن يكون في يد أهل الحق أيضًا، حتى لا يُترك المجال للمنافقين والظالمين.
الحقّ لا يهزم لأنه ضعيف، بل لأنه لم يجد من يحمله بقوة، ويقدّمه بحكمة، ويدافع عنه بوسائله الصحيحة.
إن القوة، الإعلام، الكتابة، الخطابة، الحجة القانونية، كلها أدوات يجب أن تكون في يد أصحاب الحق، وإلا فإن الباطل سيستمر في تقدمه، ليس لأنه أقوى، ولكن لأن خصومه لم يكونوا مستعدين للمواجهة.
وكما قال المفكر السوري عبد الرحمن الكواكبي: "الحقّ فوق القوة، ولكن القوة تحمي الحقّ."
إنه نداء لكل من يؤمن بعدالة قضيته: لا تكتفِ بامتلاك الحق، بل امتلك الوسائل لحمايته، لأن العدل وحده لا ينتصر، بل ينتصر بمن يؤمنون به، ويحسنون الذود عنه في كل ميدان، سواء بالقلم أو بالكلمة، وبكل أدواته .