عماد فرغلي يكتب.. حياة الماعز بين الحقيقة والمبالغة
هل يُعبر الفيلم الهندي "حياة الماعز" عن واقع الحال في المملكة العربية السعودية أم أنه يمثل حالة فردية لا تستوجب التعميم ، وهل العلاقة بين العامل والكفيل بهذا السوء الذي يتناوله الفيلم؟.
أظن أن مثل هذه التساؤلات وغيرها قد راودت أذهان وعقول كل من شاهد الفيلم لاسيما الذين لم يسبق لهم زيارة المملكة أو العمل فيها أو التعامل مع شعبها عن كثب ، ونلتمس لهؤلاء العذر فيما يفكرون أما الذين عاشوا فيها بصفة دائمة أو على فترات وصدقوا كل ما جاء بالفيلم فلا عذر لهم.
الفيلم يمثل حالة فردية وقعت أحداثها خلال فترة ما قبل ثورة تكنولوجيا المعلومات التي نفذتها الحكومة السعودية منذ سنوات وكلفتها الملايين لتوفير قاعدة بيانات لكل ما هو مقيم على أرض المملكة سواء كان مواطن أو وافد أو زائر أو قاصد للمشاعر المقدسة ومن خلال هذه الشبكة المعلوماتية تتابع السلطات هناك "دبة النملة" وتلاحق كل سالب حق وكل متجاوز للعرف ومخالف للقوانين ولا تفرق بين مواطن ومقيم ، ولو وقعت حادثة نجيب محمد في عصر الحكومة الإلكترونية لتتبعتها الجهات وانهت معاناته وحاسبت كفيله.
أراد صناع الفيلم الهندي انتاج عمل ملحمي على غرار المسلسل الأمريكي الشهير "جذور " والذي تناول قصة حياة الفتى الافريقي المسلم كونتا كينتي الذي تم بيعه لعائلة امريكية وذاق على أياديهم صنوف العذاب لدرجة أنهم بتروا قدمه اليمنى حتى لا يتمكن من الهرب ، ورغم ان قصته كانت شائعة في المقاطعة كلها إلا أن سكانها لم يكترثوا بها وما تقدم أحدا منهم لمساعدته ولولا تعاطف الطباخة التي كانت تعمل لدى العائلة لكان مصيره الموت.
أوجه الخلاف كثيرة بين حالة كوننا كينتي وحالة نجيب محمد فالأول عانى من اضطهاد عنصري في مجتمع كانت تسوده العنصرية بشكل كبير والثاني أوقعه حظه العسر تحت وطأة كفيل خالف بأفعاله كل تقاليد وأعراف مجتمعه وبالتالي فهو لا يمثل إلا نفسه ، ومن لا يعرف طبيعة الشعب السعودي عليه أن يتأمل في وجه الرجل الذي ظهر بالفيلم وهو يقود سيارته الفارهة وتوقف لمساعدة نجيب محمد وأركبه معه وبدد مخاوفه وأشعره بالأمان وناوله زجاجة المياه ، فملامح هذا الرجل وعلامات الطيبة التي تظهر على محياه هي نفسها صفات أغلب السعوديين دون مبالغة مع التأكيد على أن لكل قاعدة شواذ.
الفيلم الهندي نجح إنتاجياً وسينجح جماهيرا وقد يحصل على جوائز عالمية لكنه لم ينقل واقع المجتمع السعودي بصدق حيث تعمد صناعه تسليط الضوء على الجانب السلبي من القصة وإخفاء المواقف الإنسانية التي قام بها أهل الخير في المملكة تجاه العامل بعد استيضاح أمره والتأكد ممن تعرض له مع كفيله وما قدموه له من دعم مادي ومعنوي حتى عاد لبلاده سالمًا.
شاهدت الفيلم ولم يقنعني.