د. حياة عبدون تكتب.. انت معدنك ايه؟
يظهر معدن الإنسان في الطريقة التي يصمد بها تحت وطأة المحن، توقفت طويلا أتأمل كلمات المؤرخ الإغريقي بلوتارخ، فراجعت بعض وجوه الناس الذين التقيت بهم في حياتي، فمنهم من خاب ظني فيهم ومنهم من ظهروا أجمل بكثير مما كنت أظن، ومنهم ما كانوا كما تصورتهم.
فوجدت نفسي أتذكر كلمات لقمان الحكيم "ثلاثة لا تعرف إلا بثلاثة.. لا تعرف الحكيم إلا عند الغضب ولا الشجاع إلا في الحرب ولا اخوك إلا عند الحاجة إليه".
وتذكرت معادن الناس من حولي فوجدت منهم من يؤمن بأن خير الناس أعذرهم للناس، فعذروا ظروف الآخرين وتفهموا الضعف الإنساني، وهناك من أحب لغيرهم ما يحبوه لأنفسهم، وهناك من أعطي كل ذي حقًا حقه فقيم أعدائه تقييمًا عادلًا وأظهر فضلهم ولم يبخس قدرهم فارتفع عنهم بأخلاقه وبترفعه عن الصغائر.
وهناك من هزم رغباته قبل أن تهزمه ذنوبه، وهناك من عاش لحياته وهناك من عاش لأخرته، وهناك من عاش لنفسه متجاهلًا أهله فاخرجوه أهله من حياتهم، وهناك من سيرافقني في طريق الحياة وصولًا إلى المحطة الأخيرة، وهناك من سينزل في أول محطة لأنه لم ينجح في اختبار الحياة معي، وهناك الكثير من حولنا من يعيش حياته بوجهان وأحيانًا بوجوه كثيرة متغيرة.
لا خير في ود امريء متلون، حلو اللسان وقلبه يتلهب، يلقاك يقسم انه بك واثق، وإذا تواري عنك فهو العقرب، يعطيك من طرف اللسان حلاوة، ويروغ منك كما يروغ الثعلب!، وهناك من يعمل علي إسعاد من حوله دون أن يفكر في سعادته، وهناك من يعامل الناس بأخلاقه ولا يعاملهم بأخلاقهم فكسب آخرته وخسر دنياه ولم يهتم!!
وهناك "الماس" وهم نادرين وهناك "الفالصو" وهم الأغلبية، وهناك من وصفهم شفيعي وشفيعك محمد صلّ الله عليه وسلم "الناس معادن كمعادن الفضة والذهب"، وقد قدم الفضة علي الذهب لأن "الكرام" و"المحترمين" و"أصحاب الدين" هم الذهب وهم أقل بكثير من أعداد الفضة وهم من يحيطون بنا!.
ومعادن الناس وقيمتهم ليس لها علاقة بالمال، بالثروة، بالعمل، بالمهنة أو بالوضع الاجتماعي، فكم من أغنياء هم فقراء في أخلاقهم وكم من فقراء هم أغنياء بأخلاقهم بعد، وهناك من قال عنهم الإمام علي بن ابي طالب "إذا وضعت أحدًا فوق قدره فتوقع منه أن يضعك دون قدرك، فابتعدت عنهم، والآن، يا ترى أنت من أي معدن؟.
راجع نفسك قبل أن تحكم علي معادن الآخرين، واحكم على نفسك قبل أن تحكم علي الآخرين!، والآن أنت من أي معدن؟.