محمود حسن يكتب.. فلسفة الحب بين الناس
أنا حوالم يدرك كثير من البشر المعنى الحقيقي لكلمة الحب، وما هو السر الذي أودعه الله عز وجل في هذه الكلمة، لقد خلق الله الحب وطبقه عمليًا على نفسه كي يعلمنا المعنى الحقيقي للحب، فأحب الإنسان قبل أن يوجده، وخلق له قبل أن يخلقه، ومنحه نعم ظاهرة وباطنة، منها مايعلمه الإنسان ومنها مالا يعلمه، "وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة" ولم يطلب أي مقابل لهذا الحب، لم يجبر الإنسان على شيئ حتى في قضية الإيمان به سبحانه، ترك للإنسان حرية العقيدة، فقال "من شاء فليأمن ومن شاء فليكفر"، وقال "إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا"، وقالها حاسمة "لا إكراه في الدين"، وحذر الرسل من إجبار الناس على شيئ فقال "أفأنت تكره الناس على أن يكونوا مؤمنين" وقال "ما أنت إلا نذير" وقال "لست عليهم بمسيطر" وقال "ما على الرسول إلا البلاغ".
اذن فالخالق العظيم لم يطلب مقابلًا للحب فهو يعطي الكافر كما يعطي المؤمن، وحينما أنزل رسالات ومناهج وتكاليف لم يقصد بها ذاته العلية وإنما يريد بها الخير للإنسان لانه سبحانه لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية وإنما أمرنا بأوامر ونهانا عن نواهي حتى يستقيم الميسم وتتضح الأمور الحياتية التي تنفعنا وتنظم علاقة الإنسان بمن حوله، فكانت تلك المناهج أحد اهم مظاهر الحب الإلهي للإنسان، فهي في طياتها ليست أوامر ولا نواهي بمعنى الكلمة لأنها إختياري وليست إجباري بدليل إمكانية الإنسان على مخالفتها، والسؤال هنا لماذا خلق الله الإنسان بهذه الكيفية؟.
اقرأ أيضاً
- محمود حسن يكتب.. بطرس المشلح.. ورسول الإسلام
- محمود حسن يكتب.. ظاهرة التوكتوك فوضى حكومية
- محمود حسن يكتب: ظاهرة الطلاق.. الأسباب - النتائج - الحل
- محمود حسن يكتب: السكن المؤقت.. والتمزق الإجتماعي
- محمود حسن يكتب.. مجرد تشابه أسماء
- محمود حسن يكتب : جنود لم تروها
- محمود حسن يكتب: الثروة البشرية المحور والغاية
- محمود حسن يكتب.. القبة الحديدية والعالم الإفتراضي
- محمود حسن يكتب.. «الماء بدل الدماء»
- محمود حسن يكتب.. «العرب في وضع الجنين»
- محمود حسن.. يكتب المرأة.. بتوقيع رجل
- محمود حسن يكتب: المرأة.. بتوقيع رجل
والإجابة بسيطة وهي أن الله اراد أن يخلق مخلوقًا يحب الله بمحض إرادته وبحرية مطلقة بلا إجبار، ثم خلق الله الجنة مكافئة للمطيع والنار عقابا للعاص، وكان في خلق الجنة والنار فتنة واختبار جوهري يبين مدى فهم الإنسان لمعنى كلمة حب، لأنه سبحانه لم يطلب حب العبيد ولكن اراد حب العباد الحب المنزه عن الغرض والمقابل، لا يريد حب الخوف من النار أو الطمع في الجنة، وإنما يريد الحب النقي الصافي السامي كما أراده أن يكون، وكما طبقه عمليا على ذاته، ولخص معنى الحب في آية موجزة حينما قال "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"، والتي جاء في تفسيرها أن تعطي من حرمك وأن تصل من قطعك وأن تعفو عمن ظلمك "وتلك خصوصية قد تصعب كثيرًا على النفس البشرية العادية التي لا تعرف معنى الحب الحقيقي، وحينما قال تعالى "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" فإن تلك الآية الكريمة تؤكد معنى الحب الحقيقي وتقويه، إذ أن الله تعالى لم يجبر الناس على العبادة ولم يكن تنقصه عبادة فهو غني عن العالمين ولديه ما لا يعد ولا يحصى من الملائكة العابدين والسجد الركوع "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" وليست لديهم ثقافة العصيان من أصله، ولديه كل ما في الكون من كائنات يسبحون بحمده" وإن من شيئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم".
إذا فالأمر واضحًا وجليًا بأن الله تعالى لا يقصد العبادة بمعناها المجرد وإنما يقصد حب الله حبا حقيقيًا بلا مقابل، وإلا لما منحه حق الإختيار ما بين الإيمان والكفر أو الطاعة والعصيان، وهنا نجد أن السيدة رابعة العدوية قد فطنت للمعنى الحقيقي للحب فقالت وهي تناجي ربها "إن كنت أحبك طمعًا في جنتك فاحرمني منها، وإن كنت أحبك خوفا من نارك فأحرقني فيها" لذا قربها الله إليه وفضلها على كثير من الذين يعبدون الله بمقابل، وكل له أجره، ولكن عطاء الله للمحب أكثر بكثير من عطاءه لمن يطلب المقابل، لذا قال في حديثه القدسي "من شغله ذكري عن مسألتي، أعطيته أكثر ما أعطي السائلين".
وما ينطبق على علاقة الإنسان بالله عز وجل تنصرف على علاقته بالناس، فتطبيق الحب الحقيقي فيما بين الناس يجب ان يكون مشابها لذلك، فإذا أحب الرجل المرأة بلا مقابل حرص كل الحرص على العطاء الدائم بلا أنانية ولا هدف، وإذا ما بادلته هي نفس الحب المنزه عن الغرض والأخذ، لتكونت أعظم العلاقات التي يحرص فيها كل طرف على العطاء بلا مقابل، وهكذا يفعل مع باقي البشر، وحينها لم نرى اي نوع من الصراعات والخلافات او التمزق الاجتماعي، والإنفصال والعداء، فالله محبه خالصة وخلق الكون بالحب وجعل سر الكون يكمن في الحب، فكان الحب هو مراد الله لخلقه ومن خلقه، فمن منا وصلته الرسالة؟.