محمود حسن يكتب : جنود لم تروها
حينما يتجلى الخالق عز وجل ويتدخل في الحسابات تفقد النظريات والمعادلات ثوابتها الراسخة ' وتتخلى العناصر والفلزات والقلويات والصلب والسائل عن طبيعتهم الفيزيائية أو الكيميائية ' ويتوارى العقل والمنطق ' لأنه سبحانه خالق المادة و هو الذي أمدها بالخصائص والمعطيات المحددة ' وهو المسبب الذي خلق الأسباب '
وعندما نمعن النظر نشاهد الكثير من الأمثلة والنماذج التي تنحت فيها النظريات والحسابات جانبا وتجلت فيها عظمة الإرادة الإلهية ' فحينما يقول سبحانه " يمحق الله الربا ويربي الصدقات " برغم أن الربا يزيد المال والصدقة تنقصها ' ولكن الآية الكريمة تؤكد العكس الذي يناقض النظريات الحسابية التي تقضي بأن السحب نقصان والإضافة زيادة '
وحينما تتخلى النار عن طبيعتها الحارقة حينما ألقي فيها إبراهيم عليه السلام فتصبح بردا وسلاما بأمر خالقها ' ثم يأمره في المنام بأن يذبح إبنه '
وحينما أمات الله " العزير " مائة عام ثم بعثه فلما استيقظ الرجل وجد طعامه الذي مر عليه مائة عام طازجا لم يفسد ولكنه وجد حماره نافقا وعظامه نخرة ولحمه متحللا باليا ' وهذا يعني أن الله تعالى أمر الزمان بالتوقف عن السريان على الطعام وأمره بأن يسري على الحمار ' فظل الطعام كما هو وهلك الحمار ' وجميعهم في مكان واحد ' ذلك لأن الله تعالى هو القابض الباسط ' فقبض الزمان على شيئ وبسطه على الآخر '
وحينما يقول لأم موسى عليه السلام " فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني " فأين المنطق في هذا ؟
بل ويسخر فرعون - الذي قرر قتل جميع الأطفال - لتربيته والعناية به '
وحينما جعل الله السيدة العذراء تحمل بالمسيح عليهما السلام بلا ذكر ' فأين نظريات الطبيعة في هذا ؟
وتتجلى معجزة الخالق مع الرسول محمد عليه الصلاة والسلام في خرق النواميس والنظريات في مواطن كثيرة '
" إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا "
فهناك جنود لله لا نستطيع رؤيتها غير تلك الجنود الظاهرية كالعنكبوت الذي نسج خيوطه على الغار او الحمامة التي تنام على بيضها وكأنهما مستقران على باب الغار منذ زمن بعيد '
ثم تتجلى عظمة الله في خرق النظريات الحسابية في حروب الرسول ( ص ) حينما جعل الكفار يرون المؤمنين في ساحة القتال مثليهم رأي العين وهو أكثر من عدد المؤمنين الفعلي بعدة أضعاف '
ثم يقول سبحانه " ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا "
ومن هنا ندرك أمرا غاية في الأهمية وهو أن حروب الحق لا تحتاج إلى عدد أو عدة وعتاد بقدر ما تحتاج إلى قوة عقيدة وإيمان ' لأن المقاتل ساعتها يكون في معية الله القاهر فوق عباده ' وهذا ما أكده سبحان في كثير من الآيات حينما قال " وما النصر إلا من عند الله " وقال " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " وقيل في الأثر " من خاف الله خافه كل شيئ ومن لم يخف الله خوفه الله من كل شيئ "
إذن فكل ما تنعق به إسرائيل وأمريكا من وهم القوة ماهي إلا قوة الوهم ' وأن الأمر ليس كما يروج بعض ضعاف النفس من أن تلك الدول لا تقهر وأنهم يسبقوننا بمئات السنين الضوئية في التقدم العسكري والتكنولوجي '
فالأمر لا يحتاج لأكثر من قوة في الإيمان ثم نعد لهم ما استطعنا من قوة ' ثم يترك الأمر لله ليأيدكم بجنود لم تروها '
لتكون " كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا " .