هند الصنعاني تكتب.. فشلت اللعبة واستوعبت فرنسا الدرس
هو ليس شعارًا يتغنى به المغاربة في المحافل، بل هي عقيدتهم الثابتة والأبدية "الله.. الوطن.. الملك"، ايمانهم بالله وبالمقدسات الدينية هو جزء كبير ومهم عندهم او كما يقال شعب متدين بطبعه، وقسم مقدس يؤكد الانتماء للوطن يُنقش في الصدور يؤكد الوفاء لروح المسيرة الخضراء ولوحدة التراب من البوغاز إلى الصحراء، و"الملك" وعلاقته الخاصة مع شعبه، فقد زرع الله محبته في قلوب المغاربة منذ ولادته ليستهل حكمه مدعوما برصيد شعبي لا مثيل له بل تجاوز الدعم الحدود المغربية ليشمل العالم.
هذه المقدمة كانت ضرورية لشرح ثقافة المغاربة وقناعاتهم اتجاه ملكهم وأرضهم وأيضا علاقاتهم الإنسانية التي تربط بعضهم البعض.
بعدما شهدت المملكة المغربية في الأيام الماضية حالة من الحزن والصدمة على إثر الزلزال العنيف الذي ضرب العديد من المناطق المغربية وخلف خسائر بشرية ومادية مهمة، توجه اهتمام العالم نحو المغرب وتسابقت الدول لمد يد المساعدة، تلقت المملكة عروضا من أكثر من 70 دولة لكن السلطات المغربية استجابت فقط لبعض العروض منها المقدمة من الإمارات، قطر، اسبانيا والمملكة المتحدة، إلى جانب جهود المملكة المبذولة من طرف ملكها ونسائها ورجالها ومؤسساتها حيث قدموا الصورة المعهودة للشعب المغربي ولقنوا للعالم كالعادة درسا في التكافل والوطنية والتضحية والإيثار.
قبول دولة مكلومة تعرضت لأزمة كبيرة لعروض الدعم هو أمر متروك لها فهي مسألة سيادة والمغرب دولة له سيادة، يمكن للدولة قبول كل طلبات المساعدة في حالة فشل الدولة في إدارة الأزمة بنفسها، لكن المملكة المغربية اثبتت انها قادرة على قيادة عمليات الإغاثة وقامت بالجهود الضرورية منذ الساعات الأولى، ولم تكن هذه الأزمة هي الأولى من نوعها، فقد كان المغرب من أوائل الدول الذي استطاع وبحنكة قوية إدارة أزمة كورونا وقدمت يد المساعدة لدول كبرى أولها فرنسا، هذه الدولة التي اختلقت اليوم وفي هذه الظروف الصعبة جدلا كبيرا وشن إعلامها هجوما شرسا وروج لما أسماه "الرفض المغربي لقبول المساعدات الفرنسية"، في محاولة بائسة لتمرير رسالة دنيئة للشعب المغربي وتوريط الحكومة المغربية معه، لكن انقلب السحر على الساحر لأن الشعب المغربي يعي تماما أن وراء هذه الخطابات والنداءات "الإنسانية" قناع استعماري متعجرف لم يتقبل أن المغرب دولة قوية بإمكانياتها وسياستها ومؤسساتها وجيشها.
موقف فرنسا له أكثر من تفسير فهي تحاول إذابة جبل الثلج الذي هو من صنيعها بسبب مواقفها ضد المغرب فاعتقدت أنها فرصة ذهبية للوصول إلى حلول سياسية ب "ثوب إنساني".
وما زاد الطين بلة خروج الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون بعدما أغلقت في وجهه كل الوسائل الإعلامية بخطاب موجه ليس لشعبه بل للشعب المغربي والذي قوبل باستغراب وسخرية عارمة لأنه من وجهة نظر العديد هو استصغار لفرنسا بسبب تجاوزه الدولة المغربية ومؤسساتها، لكن المغاربة كانوا منشغلين أكثر بالمشاهد الإنسانية من ملك بلادهم الذي كان محاطا بدعواتهم، فلم يخلق موقف ماكرون إلا سخطا من المواطنين الفرنسيين وعبروا عن رفضهم لسياسته وأكدوا أن هذا السعار الإعلامي المفتعل هو نتيجة طبيعية للأداء الهزيل لماكرون وحكومته.
الرئيس الفرنسي الذي اعتقد أنه من الممكن استغلال المجتمع المدني واستعماله ككارت لفرض مساعداته، صدم بثورة من شعب يعتز بمغربيته وأرضه وملكه الذي يعتبره رمزًا للفخر والاعتزاز وأيده في كل مواقفه اتجاه الدول وخصوصا فرنسا، وأدرك ماكرون أيضًا أن المغاربة لا يقبلون خطابات إلا مِن مَن ينعتهم بـ"شعبي العزيز" هذه الجملة التي لها صدى خاص عند المغاربة منذ الزمن البعيد، وأدرك أيضًا أن ليس أمامه إلا القنوات الرسمية والدبلوماسية لتصحيح مسار حكومته، لقد فشلت اللعبة واستوعبت فرنسا الدرس.