د. زكريا إبراهيم يكتب.. عودة القمار في مصر!
أثناء تصفحي كالعادة بحكم خبرتي وعملي كخبير في تطبيقات الجريمة الإلكترونية العملية ومعرفة الجديد فوجئت بوجود تطبيقات بأسماء غريبة وموجودة على المتاجر الإلكترونية ويتم تحميلها بشكل عادى ولكنها في الحقيقة تطبيقات المراهنة ولعب القمار!.
كانت الحكومة المصرية في القانون رقم 3 لسنة 1957 بمنع لعب القمار للمصريين والذى كان منتشرًا خاصة مراهنات سباقات الخيل بخلاف أنواع القمار المختلفة مثل الكروت (الكوتشينه) والروليت وأصبح الأمر قاصرًا على الأجانب فقط.
والآن أجد تطبيقات يتم تحميلها من المتجر للهاتف وفتح محفظة إليكترونية ويبدأ اللعب من مبلغ ١٠ جنيهات!، وطبيعة القمار يبدأ بالمكسب الذى يصل إلى ١٠٠٠ جنيه، ١٠ جنيه تتحول بالقمار إلى ١٠٠٠ جنيه لدرجة أن أحد المقامرين لم يكن مصدقًا لنفسه وذهب لسحب مبلغ من محفظته الاليكترونية وبالفعل سحب ٥٠٠ جنيه وتأكد أن الموضوع حقيقة مما جعله يتورط أكثر وبدأ منحنى الخسارة بداية من الألف جنيه التي ربحها ومثلها أيضًا.
والمراهنات على كل شيء بداية من المراهنات على نتائج مباريات كرة القدم حتى لعب ما يشبه لعبة السلوت التي تعتمد على ظهور ثلاثة صور متشابهة وكذلك البلاك چاك والبوكر!، وأسماء التطبيقات بعيدة تمامًا عن واقعها أو هدفها مثل تطبيق (Strawberry co) أو شركة الفراولة وكذلك تطبيق آخر (Cozy Fashion) اسم يوحى أنه خاص بالموضة والملابس ولكنها في الحقيقة أسماء للتحايل على القانون المصري لأنهم يعلمون تمام العلم أن ما يفعلونه يقع تحت طائلة القانون.
والكارثة الأكبر هي تورط الأطفال من سن 12 سنة في اللعب على تلك التطبيقات والدخول في دائرة المراهنات على المباريات مما سيؤدي إلى إدمان المقامرة فلعب القمار إدمان مثل إدمان الهيروين تمامًا ويتم علاجه في مصحات نفسية في الخارج، وقد فجر أحمد ميدو لاعب الكرة تورط ابنه البالغ 12 عام في تلك المراهنات عندما وجد معه مبلغ كبير 2000 جنيه زيادة عن مصروفه وعندما سأله أخبره ببراءة الأطفال أنه يراهن على مباريات كرة القدم عند أحد أكشاك السجائر.
وشاهدت إعلانات لها على الانترنت مغرية وتعد اللاعبين بمكاسب رهيبة ستغير حياتهم إذا اشتركوا في تلك التطبيقات، وأنا أتفق معهم كل الاتفاق انها ستغير حياتهم ولكن للأسوأ وستضيع حياتهم تمامًا تحت وهم المكسب والثراء السريع بدون تعب ولا عمل.
يجب اتخاذ القرارات السريعة الحاسمة تجاه تلك التطبيقات وحجبها وعلاج من تورطوا بها لأن العديد منهم دخلوا مرحلة الإدمان بالفعل.
نحن أمام كارثة جديد تستهدف بلادنا وتقوم بتدمير أجيال وبيوت وستؤدى إلى تفشى وانتشار العديد من الجرائم الجانبية المرتبطة بالقمار مثل الاختلاس والسرقة والقتل وغيرهم من الجرائم بهدف توفير المال لإشباع ذلك الإدمان، إدمان القمار وأحلام المكسب السريع.
للأسف ما زال مجتمعنا يعانى من تداعيات ونتائج انتشار النماذج المدمرة والشرطة والنيابة والقضاء والاعلام وكل أجهزة الدولة المعنية بالأمر تلهث في محاولات ملاحقة أشكال مختلفة لتدمير مجتمعنا أو كما وصفتها مادة (٢٥) من القانون 175 لسنة 2018 الخاص بالجرائم الاليكترونية:
يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارًا أو صورًا وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة.
وما يحدث من نشر واستعمال تلك البرامج يخالف العديد من القوانين وليس فقط كونه اعتداء على المبادئ والقيم في المجتمع المصري مثلما نصت المادة 25 لسنة 2018، ولكن مخالفة للقانون رقم 3 لسنة 1957 الخاص بمنع المقامرة وكذلك القانون رقم 64 لسنة 2010 الخاص بمكافحة غسل الأموال، وذلك ما أسعفتني ذاكرتي ببحث سريع ولكن كلما تعمقنا فى دراسة تلك الظاهرة الخطيرة سنجد مخالفات أكثر وأكبر.
أيها السادة..
نحن نحاول قرع أجراس الخطر بما نكتبه ونسلط الضوء عليه من عوامل هدم مجتمعنا ونحاول حماية مستقبلنا، مستقبل مصر والمتمثل في الأجيال الجديدة، لأن أي شيء يمكن إعادة بنائه إلا الإنسان.