د.زكريا إبراهيم يكتب.. مسلسل نجيب الريحاني تحت المجهر
اندهشت كثيرًا من بعض مهاجمىّ الكاتب الأستاذ محمد الغيطى بخصوص كتاب ومسلسل فنان مصر الإنسان "نجيب الريحاني"، أبو حلموس ولعبة الست وسى عمر وسلامة فى خير وغيرهم من الشخصيات الجميلة الذى يوجد جيل كامل لا يعرف من هو نجيب الريحاني، جيل كامل لا يعلم إلا النمبر وان وأمثاله.. جيل كامل لا يوجد له مثل أعلى ولا يتذوق فن هؤلاء الفنانين والفنانات الكبار.
لماذا تهاجمون من يحاول تعريف جيل جديد تربى على الفضائيات ولا يعلم غير النمبر وان وعبده موته.. بينما يغير القناة عندما يجد فيلمًا لممثل قد يعلم اسمه نجيب الريحاني وقد لا يعلم لكى يشاهد الألمانى أو عبده موته، لا تهاجموا من يحاول إعادة رونق الفن وتعريف الجيل الجديد بعظمة الأجيال السابقة التى لم يكن فى أفلامها مشهدًا واحدًا إباحيًا أو لفظ خارج بل يوجد بها النصيحة والتربية والإرشاد والضحكة الجميلة من القلب.
حتى لو كان هناك أخطاء (وأنا شخصيًا أرى أنه مسلسل جميل وهذا رأيى الشخصى) ليس بالضرورة أن يكون كل المسلسل بلا بعض أخطاء بسيطة مثل ما حدث فى أفلام ومسلسلات عالمية كانت ميزانيتها ملايين الدولارات بل وترشحت لجائزة الأوسكار أمثال فيلم طروادة.. وحتى فيلم الناصر صلاح الدين الذى أنتجته الفنانه آسيا بمبلغ مليون جنيه بما يعتبر بمقاييس زمنها مليار جنيه نافس على الأوسكار ولكن خرج لخطأ مازلت حتى يومنا هذا أبحث عن ذلك الخطأ الذى قالوا عنه ولم أجده.
الكاتب والإعلامى المحترم أستاذ محمد الغيطى قدم لنا تجربة جميلة لفنان كنا نتمنى أن نعرف عنه وعن حياته شيئًا، أمثالى من الأجيال القديمة التى تربت على القراءة وكنا ننفق أغلب ما نأخذه من والدينا على الرحلات المتكررة لسور الأزبكية لشراء القصص والكتب، بينما الجيل الجديد ثقافته كلها وحتى تربيته من خلال السوشيال ميديا والفضائيات والإعلام، جيل قد يعرف كل تفاصيل حياة "سلڤستر ستالون" مثلًا من كثرة مشاهدته للبرامج فى الفضائيات ولكن لا يعلم شيئًا عن نجيب الريحاني.
ومثل ذلك القصة الإنسانية لذلك الفنان العظيم الذى حاول مساعدة السيدة التى تعدت السبعون عامًا بائعة الجرجير والفجل أمام منزله وعرض عليها أموال وعرض عليها أن ترتاح ببيتها ويتولى هو أمورها المادية هى وحفيدتها التى تمثل كل عائلتها وليس لهم إلا الله سبحانه وتعالى معين، إلا أنها رفضت بكل عزة وفخر وفَضلت القروش القليلة التى تتعب فيها، فما كان منه إلا أن طلب منها بعد فترة أن تمثل معه فى فيلمه (سلامة فى خير) وتقوم بدور حماته، ووافقت بعد مناقشة وإقناع منه، وطلب الفنان العظيم من كل العاملين والمخرج بألا يحاولوا مضايقتها إذا ارتكبت أى أخطاء أو نسيت النص أو خرجت عنه وبالفعل كان غالبية حوارها فى الفيلم مرتجل من عقلها طبقًا للموقف وليس طبقًا للنص المكتوب وأخطاء عديده مثل النظر للكاميرا والضحك، بل إنها وبكل أريحية تقوم بإشعال وشرب سيجارة أثناء عملها وتصوير الفيلم ولم يعنفها أو يكلمها أى شخص تنفيذًا لأوامر الفنان نجيب الريحاني، وأعطاها مبلغ 50 جنيهًا كمقابل لتمثيلها الدور وهو مبلغ بمقاييس زمنها كان هناك فنانون كبار يقبضون نفس المبلغ إلا أن هدفه كان مساعدتها وخرج معها من استوديو مصر وركبت تاكسى لتعود لحفيدتها التى هى كل عائلتها، إلا أنها لم تصل لها أبدًا فقد قتلها سائق التاكسى لسرقة الثروة التى تحملها السيدة العجوز، وتولى الفنان العظيم شئون حفيدتها وتكفل بتعليمها ومعيشتها حتى أنه أرسلها لتدرس فى الخارج وتصبح طبيبة لامعة.
من منكم كان يعلم تلك الحكاية من حياة ذلك الفنان؟، فقط المثقفون والجيل القديم مواليد الثمانينات والسبعينيات، أنا أعتبر المسلسلات أمثال مسلسل وكتاب نجيب الريحاني للأستاذ الغيطى وغيره من المسلسلات مثل الاختيار عبارة عن علاج للڤيروسات التى يتم تصنيعها فى معامل جزارين العقول والأخلاق والأذواق والتى انتشرت بين شبابنا.
يجب علينا دعم الأستاذ محمد الغيطى وأمثاله من الكُتاب والمثقفين لكى يعيدوا لنا تجربة "الريحانى" ويتناول شخصية جديدة ليعلم الجيل الجديد قيمة الفن الحقيقى عندما كان يقدم رسالته من ابداع وارشاد للمجتمع، بل وكذلك كان الفن يتسبب فى تغيير قوانين مثل فيلمىّ العملاق فريد شوقي الذى تسبب فى قانون السماح بزيارة السجين لأهله وإلغاء السابقة الأولى، هذا هو الفن وأمثال الفنان نجيب الريحاني وهو يربى جيل كامل وأجيال قادمة فى عصره على المبادئ الجميلة ضمن الضحكة الأجمل.