مليكة الفاسي.. مناضلة القلم والميدان
سماء المغرب دائمًا مشرقة برموز نسائية تركن بصمات خالدة في شتى المجالات، ومن أبرز هذه الأيقونات المناضلة مليكة الفاسية، المرأة الوحيدة التي وقعت على وثيقة المطالبة باستقلال المغرب.
ولدت مليكة الفاسي سنة 1919 بمدينة فاس، في أسرة عريقة ذات جذور متجذرة في النضال الوطني، كان والدها، المهدي الفاسي، رجل قضاء، ووالدتها طهور بنشيخ، نشأت مليكة في بيت يشجع العلم، حيث تلقت تعليمها على يد نخبة من أساتذة جامع القرويين، بعد أن وفر لها والدها بيئة دراسية خاصة داخل المنزل.
منذ صغرها، أظهرت مليكة روحًا متمردة على الأعراف التي كانت تهمش المرأة، متسائلة عن القيود التي فرضها المجتمع على بنات جنسها، ولم تكتفِ بمجرد التساؤل، بل بدأت مشوارها النضالي منذ سن الخامسة عشرة عندما دخلت المجال الصحفي، وأصبحت أول صحفية مغربية تنشر مقالًا في "جريدة المغرب" سنة 1935 تحت توقيع "فتاة"، داعيةً إلى تعليم المرأة، وكانت تستخدم اسم "باحثة الحاضرة"، تيمناً بالكاتبة المصرية المناضلة ملك حفني ناصف التي كانت توقّع باسم "باحثة البادية".
انخرطت مليكة الفاسي في حزب الاستقلال إلى جانب زوجها وابن عمها محمد الغالي الفاسي، وأقسمت على حفظ أسرار العمل الوطني، أصبحت عنصرًا حيويًا في الجناح السري للحزب، حيث لعبت دور الوسيط بين قيادات الاستقلال والملك الراحل محمد الخامس.
تميزت مليكة بشجاعتها وإصرارها على إشراك النساء في معركة التحرير، وواصلت هذا النهج بعد الاستقلال، كانت أول من استقبل الملك محمد الخامس عند عودته من المنفى، وشاركت في مؤتمر سنة 1955 حيث طالبت بتمكين النساء من حق التصويت وضمان المساواة في الدستور، كما كان لها دور بارز في تأسيس التعليم الخاص بالفتيات بجامعة القرويين بعد أن كتبت مقالًا مؤثرًا بعنوان "صحوة المرأة المغربية"، مما حفز الجهود لتوفير التعليم الثانوي والجامعي للنساء.
لم يكن نضال مليكة الفاسي مقتصرًا على السياسة والتعليم، بل تركت بصمتها أيضًا في الأدب، حيث كتبت عدة مسرحيات وقصص قصيرة، أبرزها "الضحية" و"دار الفقيه"، التي تناولت قضايا اجتماعية كزواج القاصرات والأعراف التقليدية.
رحلت لالة مليكة الفاسية في 11 مايو 2007، ودفنت بضريح الحسن الأول إلى جانب زوجها، قبل وفاتها بعامين، وشّحها الملك محمد السادس بوسام العرش من درجة ضابط كبير تقديرًا لإسهاماتها في النضال الوطني.
تعد مليكة الفاسي نموذجًا خالدًا للمرأة المغربية المناضلة، التي كسرت القيود من أجل وطنها وحقوق بنات جنسها، لقد كانت المرأة الوحيدة التي وقّعت على وثيقة الاستقلال، مؤكدةً دور النساء في بناء وطن ينعم بالديمقراطية والمساواة، وتستحق سيرتها أن تكون مصدر إلهام للأجيال القادمة.