هند الصنعاني تكتب.. ما وراء القناع
البيوت أسرار، كثيرا ما نرددها في مجالسنا، عبارة تحمل الكثير من المآسي كما تحمل الكثير من الأفراح، ففي القديم لم تكن اسرارنا مستباحة كما أصبحت اليوم بسبب وسائل التواصل الإجتماعي، أصبحنا نحن المسؤولون عن افتضاحها بكامل رغبتنا و ليس الجيران كما كان يحدث من قبل.
لكن هذا لا يمنع أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست الصورة الحقيقية لحياتنا، فالحقيقة الكاملة مختبئة بين جدران بيوتنا لا نملك الجرأة الكافية لعرضها أمام الملأ.
و نحن نتصفح العالم الافتراضي، سنجد صور كثيرة نحتاج الوقوف أمامها و الغوص فيها لاكتشاف دلالاتها التي لا تظهر من اول وهلة، هي صورا خادعة ربما لأننا مصابون بمرض خداع الذات أو ربما نحاول الهرب من الواقع المعاش الى واقع آخر يستوعب أحلامنا و امانينا بدون قيود.
صورة لجلسة رومانسية و شموع وأكل فاخر تزينهم ابتسامة مصطنعة تكمل المسرحية التي ستبث على الفيسبوك، وراء هذه الإبتسامة سنجد شجن و ربما صرخة ترفض الواقع الذي يصارع الخلافات التي بلغت أشدها و لكنها محاولة من المحاولات لإصلاح ما أفسده الدهر.
فنجان قهوة و منظر الغروب الواضح من بلكونة الغرفة هي صورة ذلك الوسيم الذي عدى الخمسينات بدون زواج، يحقدون عليه أصدقائه كونه يتمتع بحياة هادئة فهو ليس له زوجة تتابع تحركاته او تحاسبه على تصرفاته او تطالبه بمصاريف الأكل والشرب و المدارس، لكن وراء هذه الصورة ألم حاد من الوحدة عندما يعود الى بيته مساء و يجده مظلما خال من المودة و الرحمة فيتحسر على قطار أيامه الذي مر بدون ان يعمل حساب غدر الزمن.
حمام سباحة كبير محاط بكراسي فاخرة، كل أنواع الأكل، اسطول سيارات، صورة مراهق منشورة على العالم الافتراضي، لكن وراء الصورة اكتئاب شديد لمراهق يعيش وحيدا يتمنى أسرة يجتمع معها على الغداء لكنهم منشغلون بأعمالهم و مشاريعهم و اجتماعاتهم، مراهق بائس لديه كل شئ لكنه يفتقد ابسط الأشياء نصيحة اب و حنان أم، إنها الصورة القبيحة للعالم الافتراضي.
تلك هي صور الواقع المشوهة لكنها معدلة، صور يدمج فيها الخيال بالواقع، عالم لا يمكننا تصنيفه لا وهمي و لا حقيقي، نمارس فيه دور البطولة و ندعي فيه المثالية، تجد فيه المتدين الذي يكتب عن الدين وهو أبعد ما يكون عن الدين، هناك المثقف الذي يتظاهر بالعلم والمعرفة لكنه عاجز عن إعطاء معلومة نستنير بها، هناك السياسي الذي يفتي في الأمور السياسية و يدخل في مهاترات لتنتهي بالسب والشتم، نتساءل هل هؤلاء ينتمون إلى العالم الذي نعيش فيه لكن الإجابة هم من العالم الآخر المليء بالخبايا و الأسرار.
هم لا يكذبون لكنهم يتجملون، يحلمون بعالم آخر، يهربون من واقع يرفضونه، خبايا كثيرة و أسرار عديدة تشهد عليها جدران البيوت فكم من بيت فاخر يخفي انين مريض أو دمعة حزين او بكاء يتيم، قصص عديدة تخفيها كلمة " البيوت أسرار".