جمال أسعد يكتب.. ذكريات رمضانية
شهر رمضان كان ومازال وسيظل علامة حقيقية وصحيحة للعلاقة المصرية ودليل على التوحد المصرى والوطنى.
فإذا كان رمضان هو شهر الصيام للمصريين المسلمين (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم)، وهذا يعنى أن الصيام هو عقيدة دينية لكل الأديان السابقة على الإسلام ومنها بالطبع المسيحية، ولذا يصبح الصيام عامل مشترك بين الأديان جميعها، خاصة أن هذا العام قد توافق صيام رمضان مع الصيام الكبير للمصريين المسيحيين.
أما رمضان فهو ذلك الشهر الذى يتوحد فيه كل المصريين اجتماعيًا ووجدانيًا من خلال تلك العادات والتقاليد المصاحبة لرمضان والتى يحبها ويمارسها وينتظرها ويعيشها كل المصريين، ولذا فرمضان وبالفعل هو من أهم العوامل الموحدة للوجدان المصرى رغم أن انف المنغلقين من هنا ومن هنا.
اقرأ أيضاً
وذلك لأن رمضان فى مصر له خصوصية فى الإطار الاجتماعى لانظير لها فى أى بلد عربى أو اسلامى أخر، وهذه الخصوصية الاجتماعية والمصرية هى نبت وبنت التاريخ المصرى متواصل الحقبات، ذلك التاريخ الذى يحتوى بعض الثقافات الخاصة مثل الثقافة القبطية الخاصة (المسيحية فى الاطار الكنسى وليس الاجتماعى) والثقافة النوبية والثقافة البدوية، وهى ثقافات تحمل بعض العادات والتقاليد الاجتماعية المرتبطة بظروف تاريخية بذاتها قد التحمت مع الجانب العقيدى أو العرقى.
ولكن وهو الأهم فإن هذه الثقافات الخاصة كانت رافد مهم وثرى للثقافة المصرية العامة والجامعة لكل المصريين، كما أن المزاج والهوية المصرية كانا قد تكونا وتأثرًا بالجانب الاحتفالى الذى ينشر البهجة والسرور تخفيفا على ما لاقاه المصرى من تعنت على مدى التاريخ، ولذلك رأينا الاحتفالات الشعبية والاجتماعية التى جمعت المصريون ماقبل ومابعد المرحلة الفاطمية والتى كانت تحتفل بعيد الغطاس تحت رعاية الحاكم وعلى ضفاف النيل الخالد مع كل المصريين.
ناهيك عن تلك الاحتفالات الدينية والتى أخذت بعدًا اجتماعيًا مشتركًا مثل الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، إضافة يوم شم النسيم ذلك العيد المصرى القديم الذى أخذ بعدًا دينيًا لمجيئه بعد عيد القيامة، وهذا لم يكن من باب المجاملات الاجتماعية بين المصرى والمصرى، ولكنها الهوية المصرية الواحدة التى تجمعنى انا المصرى المسيحى ليس بالمصرى المسلم فقط ولكن بالاسلام، فانا ابن الحقبات التاريخية المتراكمة والمتكاملة ومنها بالطبع الحقبة الإسلامية.
فانا ابن هذه الحقبة أيضًا فى العادات والتقاليد والثقافة والتاريخ وأن كان باستثناء العقيدة الإسلامية التى تتكامل مع العقائد الدينية الأخرى فى المقاصد العليا للأديان والتى أرادها الله والتى تحمل وتحض على القيم الدينية والسلوك الأخلاق لصالح الإنسان، فرمضان فى مصر هو شهر كل المصريين.
العادات وتقاليد رمضان ليس طوال شهر من الزمن ولكنها أكثر من ذلك، فنحن قبل شهر رمضان نحسب كم باقى من الزمن منذ رجب وشعبان انتظارًا لرمضان، ننتظر ونتابع الرؤية، فقد كنا ونحن صغار فى مركز القوصية نشارك فى الرؤية، كانت الرؤية تبدأ من أمام مركز الشرطة بمصاحبة المأمور فى احتفال مهيب يلف المدينة.
وكان يشارك فى الاحتفال رجال الطرق الصوفية واصحاب الحرف المختلفة الذين كانو يجهزون عربة كارو وفوقها نموذج مصغر من الحرف التى يمتهنونها (الطحانيين والجزمجيه والخياطين..الخ) وكنا نسير فى ركاب هذا الموكب، انتظارًا لإعلان ظهور الرؤية حتى نلف معلنين عن أن باكر يوم صيام.
كنا ننتظر إمام المسجد الكبير بالسوق حتى يؤذن المؤذن (الشيخ محمد شعبان) حتى نقوم بلف الشوارع معلنين الفطار، بعد الفطار كما نتحلق حول فرن الكنافة البلدى (عن أحد هارون) لمشاهدته وهو برش العجينة حتى تخرج كربال كنافة نلتهمه فورًا، بعدها نلتف حول راديو (عن حامد مهاود) لسماع فزورة امال فهمى وبعدها نسرح فى الخيال الجميل مع حلقة الف ليلة وليلة ولا نصحو الا مع صوت زوزو نبيل توعدنا بحلقة جديدة.
كانت هناك سهرات رمضانية فى منازل ومقاعد العائلات يتم فيها تلاوة القرآن الكريم ثم تبدأ الحوارات السياسية والاجتماعية وفى كل المجالات مع أكواب الشاى والقرفة وبعض قطع الكنافة، هذا وإن كانت هذه الذكريات بنت الستينات من القرن الماضى وبالتالى لم تعد موجودة فى هذه الصورة ولكن تطورت وتغيرت بما يناسب المتغيرات الاجتماعية والعادات والتقاليد.
ولكن تظل عادات وتقاليد رمضان مرتبطة بشهر الصوم تلك التقاليد المصرية الأصيلة التى هى جزء من الهوية المصرية التى تجمع كل المصريين، فهل بعد ذلك نرى من يحاول الوقيعة والتفرقة تحت اى مسمى؟ مصر لكل المصريين والدين لله الذى اراد التعددية الدينية لمقصد الاهى لانه هو الذى سيحاسب كل واحد حسب إيمانه، كل سنة والمصريين الذين يجمعم وطن واحد وتاريخ واحد ومصير واحد وآمال واحدة.
وهم بكل الخير والصحة والسعادة، حفظ الله شعب مصر العظيم والجميل.