جمال أسعد : الشخصية الوطنية والتعليم
يقوم الوعى بالدور المهم وإلهام فى تكوين الشخصية الوطنية . والوعى هنا ليس المقصود به المعلومة أو الثقافة أو المعرفة أو المعايشة فقط ولكن الوعى هو انصهار كل تلك العوامل والأساليب فى العقل مما يشكل رؤية خاصة تساعد الفرد فى التلقى والتحليل واتخاذ القرار . هنا يأخذ التعليم المكانة الأولى والأساسية فى تشكيل هذا الوعى وتلك الشخصية الوطنية . فالتعليم هو المعلومة والمعرفة والثقافة لذا يصبح البوتقة التى تنصهر وتتشكل فيها الشخصية الوطنية . وهذا الانصهار وذاك التشكل يساهم فى حالة توافق وطنى ويخلق أرضية ممهدة لزراعة بذور الانتماء التى تؤتى ثمارها فى قابل الايام . ومن خلال هذا المنهج التكوينى ينطلق الفرد للتلقى والمشاركة فى جميع مناحى الحياة الدينية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية . كما وهذا هو الاهم أن يكون هناك توافق وطنى وانسانى بين أبناء الوطن المشاركين فى الفصل والمرحلة التعليمية مما يخلق حالة إنسانية جمعية ووطنية تظل قابعة فى الضمير الجمعى المصرى طوال الوقت .
هنا لابد من التطرق إلى حالة التعليم التقليدى السابقة منذ ثلاث عقود مثلا بالرغم من قلة الإمكانات المادية ولكن كان التعليم ينطلق من أرضية وطنية مشتركة تعزز الانتهاء الوطنى المصرى والعربى . إضافة إلى العلاقات الإنسانية التى كانت تربط زملاء الدراسة بعلاقة حياتية تظل إلى المدى دليل الحب وعنوان الزمالة وذكريات الدراسة . فهل يقوم التعليم الان بمثل هذا الدور التكوينى للشخصية الوطنية المصرية ؟ لااعتقد ذلك. ليس نتيجة للقصور المادى الذى لم يعد قادرا على استيعاب الأعداد المقبلة للتعليم . ولا لقصور المناهج على التطور الذى اجتاح العالم مما يلزم معه مناهج متطورة تساير هذا التطور وذلك التغير . ولا لانصراف المعلم عن الدور التربوى الذى لاينفصل عن الدور التعليمى البته. ولا إسقاطا لدور المدرسة التعليمى والتربوى لصالح المصالح الذاتية والشخصية للمعلم لكى يقوم بدور تلقينى فاقد للعلاقة المحترمة بين المعلم والتلميذ التى تتكون نتيجة للعلاقة المادية التى يتحول فيها الطالب إلى مانح للمعلم وليس العكس فى الوقت الذى تتحول فيه العملية التعليمية إلى مهمة واحدة ووحيدة للطالب والأهل هى الحصول على الشهادة التى لم تعد تعبر تعبيرا حقيقيا عن مستوى الطالب التعليمى أو التربوى . هنا فهذه العلاقة قد قضت على دور المدرسة تماما مماجعلها خاوية على عروشها طوال الوقت مما يسقط ويعنى غياب التعليم بلا مبالغة . فاستيعاض المدرسة بالدروس الخصوصية تغيب معه العلاقات الإنسانية والمشاركة المجتمعية وتكوين الشخصية الاجتماعية السوية التى من خلالها تسقط كل الفوارق الطبقية والدينية والجهوية والقبلية مما يشكل خطراً حقيقياً ليس على الشخصية الوطنية فحسب ولكن خطرا على الوطن بكامله . تكوين الشخصية الوطنية عن طريق التعليم فهذا يعنى تهذيب مهم لكل الفوارق بكل انواعها . بين الغنى والفقير . بين المسلم والمسيحى. بين ابن القرية وابن المدينة ...الخ . أما الطامة الكبرى فهى مايسمى بالتعليم الأجنبى فى مصر وطن كل المصريين . لم نكتفى بالمجتمعات المغلقة والخاصة التى تترفع على الاختلاط بالطبقات الأدنى فانشأوا مجتمعاتهم الخاصة التى تولد التفرقة التى لاحدودلنتائجها السلبية والخطيرة واهمها التفرقة الطبقية التى تخلق الحسد وتربى الحقد وتغذى الضغينة . ولكن جاءوا بالتعليم الأجنبى حتى تسقط الشخصية الوطنية بمقوماتها المصرية والوطنية وحتى تتعمق الفوارق الطبقية . وحتى تتعدد الثقافات الأجنبية فتسقط الهوية المصرية الوطنية فنصبح بلا هوية وبلا تاريخ خاصة أن الهوية والتاريخ ومقومات الشخصية الوطنية هم القوة الناعمة التى يمتلكها الوطن على مدى التاريخ. هل يمكن أن ننتبه إلى مانحن فيه ؟ هل يمكن أن تستوعب النتائج الكارثية القادمة للحالة التعليمية ؟ نحن لسنا ضد التكوير التكنولوجى ولكن مع الحفاظ على الدور الوطنى والتكوينى للشخصية المصرية انتماءا وحبا وتوافقا بين أبناء مصر الوطن العزيز .