ماجد الحداد يكتب.. تقاليد النكد الأسري في المناسبات بين الماضي والحاضر
المصري دايمًا حاسس أنه متراقب وأنه عنده الف عين ومليون لسان هيراقبو كل فعل، وينقدوه ويتحكموا فيه ويشوفوا كلامه ولبسه وسلوكه مطابق للمعايير ولا لا، وبعدين لو مطلعش مقابل المعابر يسلخوه حيًا بالكلام عنه سرًا، وينهشوا لحمه نيئا بذم غيبته، ونظرات مقرفة لوامة على امور تافهة لا تخصهم.
إرهاق نفسي واجتماعي واقتصادي وضغوط لا يتحملها شعب آخر، وأكثر مننا رفاهية وبيشتكوا من أشياء مجرد سماع انها سبب للشكوى يسبب المصرين غيظ حقيقي على تلك المرقعة.
اقرأ أيضاً
- ماجد الحداد يكتب: هيرودوت والبقرة والقنفذ
- ماجد الحداد يكتب.. تنوير الصراع على القماش
- ماجد الحداد يكتب.. الحب والحضارة
- ماجد الحداد يكتب: ( عرض الكون امرأة )
- ماجد الحداد يكتب: قطعة اللحم الحكيمة
- ماجد الحداد يكتب: عن الاستغناء والغريزة والهرمونات
- ماجد الحداد يكتب.. «نقد لقياس حرمة زواج التجربة»
- ماجد الحداد يكتب: عرض الكون امرأة
- ماجد الحداد يكتب: المطلقة والارملة
أول سبب للنكد هو:
المبالغة في التحضير لأي عيد وهذا الإرهاق حتى أننا مجبرين على إظهار السعادة ولو نفاقًا ما دام الوقت به مناسبة لطيفة كعيد مثلًا.
ذلك الزخم العاطفي والوسوسة والخوف المبالغ من الرقابة والذي دائمًا ما يجعل الرجل والمرأة في مشاكل تنافسية عن أي الأسر أفضل للاستعداد وتقضية العيد.
هذا الزخم لابد وأن يجعل الأعصاب تنفلت من الضغط، وأي رجل عرف يكفي أسرته بمتطلباتها عن أقرانه، وكيف أن بنت خالتها ملبسة عيالها لبس أغلى، مثلًا، وهذه الضغوط تزيد من احتمالية الوقوع في الخطأ، والكبت الذي سيولد الانفجار على أتفه سبب، ومش هقول بقى حيلة الازاحة النفسية هي ملكة الموقف في الأعياد.
فيه عنصر دفين لا يجب إغفاله وهو إن المصري عاشق لبيته وأرضه لدرجة المرض النفسي، بيحس بغربة غير طبيعية لو خرج عن المنظومة الروتينية اللي مرسومة له، معذور لأنه محاط بطبيعة جغرافية، وتكوين الطبيعة الانثروبولوجية للمصري كده، ثابت عتيد بيروقراطي، حكم مركزي، فكل شئ مخلوق في مصر للثبات والاستمرار كما هو.
يمكن لو قرأنا قصة #سنوحي المصري هنعرف يعني ايه ارتباط المصري بالأرض والبيت وازاي، احنا سايبين ٩٠٪ من مساحة مصر وقاعدين في الوادي حتى بعد تطور المدنية وسهولة توصيل المرافق الصحراء، يعني سايبين الشقة كلها وقاعدين في _ اوضة _ غرفة واحدة، عشان جده كان عايش في نفس المكان.
انما فيه تفاصيل تانية مستحدثة زي مثلًا:
الأب والأم يزعقوا ويتخانقوا والعيال تزداد عصبية وبالتالي نشاط وهيبرة زائدة، بتزودها الأجهزة اللي في ايدينا موجات الراديو والكهرومغناطيسية، وتناول مادة الجلوتاميك اللي موجودة في أغلب المأكولات المعلبة وخصوصًا المقرمشات ومرقة الدجاج _ مجرد ذكرت أشهر أكلتين فيهما جلوتاميك _ وتسرب بعض معدن الرصاص في أكلنا، كل ده ليرفع درجة العصبية ويولع اي مشادة ممكن تحصل.
مش هنتكلم عن الأسباب الاقتصادية لأننا مش محتاجين نتكلم في بديهيات، أو ممكن تكون دي رغم أنها ضغوط بس ما تسببش حالة فقدان العقل، والهياج السلوكي اللي حاصل في مجتمعنا ده.
انعدام البوصلة كمان والمجتمع غير مثقف ومتخبط بين فتاوى سلفية وفتاوى وسطية، ونقد للتراث، ولادينية بطوائفها، وخناقة العلمانيين مع المتدنيين، واحداث سياسية وتاريخية فارقة، وثورتين ورا بعض، وحظر لمدة طويلة تسببت في اكتئاب جماعي، وتضخم أسعار، ومفيش مدارس، ومهرجانات محمومة، وفيمنست بتحرض على التدمير، وذكور بتستعبط وغيرت مسؤولياتها وادوارها، وافلام بتمدح العنف والبلطجة واغاني بتعبر عن الشخصيات دي موسيقيًا.
أعتقد دول كفاية أنهم ممكن يجعلوا الإنسان يفقد عقله ويقتل.
الأهم اتمنى _ بل ادعو للضرورة القصوى _ علماء النفس وعلماء المخ والأعصاب دراسة هذا التغير بطريقة سريعة ووافية لمعرفة أسباب أكثر عن وصول مجتمعنا لهذا المنحى الخطر لمعالجة مشاكلنا بالقتل، بعيدًا عن تفاهة خناقات الفيمنست والذكوريين العقيمة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، سوى مزيدًا من التفكك والانحطاط والسطحية في تقديم الحلول.
زمان كان كل أم واب بيحترموا التقاليد لازم يتخانقوا في المناسبات والخروجات مجرد زعيق وصوت عالي ويدوب شوية عصبية ترعب العيال _ واحتمال في حالات قليلة يكون فيها ضرب و هنا بنحكي عن واقع بيحصل وليس ما ينبغي أن يكون _ ولو الموضوع كبر مفيش مانع من شتيمة هنا على صراخ ودموع هناك.
يعني المهم لازم البيت كله يفضل متنكد، ويتغذى النكد في الخروجة بسبب العيال وخصوصًا لو شبطوا في حاجة أو عملوا شقاوة أو حوسة في المواصلات، ده نكد أيام الزمن الجميل ومفيد المجتمع وصحته النفسية، بحيث لما يرجعوا لبيتهم يكونوا فرغوا شحنة نفسية سلبية في شئ خارج المنظومة الروتينية البيتية الآمنة، وتلاقيهن راجعين مبسوطين والعيال بتحكي عن الرحلة، ونسيوا المشاكل، والاب والام بيقضوا ليلة حميمية جميلة في اوضة النوم، وكلام حلو من نوعية (بس يا ممدوح مش كدة الاولاد يسمعونا انت عارف اني بزرق بسرعة)، وأشياء من هذا القبيل.
أظن بعد وجود أربع أو خمس جرائم قتل في يوم واحد وكلهم بين الأزواج، وفي مناسبات سعيدة اللي بنك لنا لنكد من ايام اباؤنا وأجدادنا نترو وأرباب النكد، على الله الاقي دكر ولا نتاية يفتحوا سيرة الزواج تاني.
احنا لازم نوقف المشروع ده شوية بتاع عشرين سنة كدة لحد ما المجتمع يلحق يشم نفسه يشوف له بديل ويظبط نفسه قبل ما نخلص كلنا، وألف ألف مبروك لكل عروسين، وعلّي الدي_جي يا ابني عشان يغطي على صواتنا وخيبتنا، عشان عندنا عيال عاوزين نربيهم في مزيد من الدمار سواء متدمرين وهم عايشين معاكم أو متدمرين بسبب الانفصال.
و يا سلام بقى لو حد من أبويه خلص على التاني عشان تضمنوا مجرم حاصل على الشهادات ويشرفنا بإجرامه.