محمود حسن يكتب: سر ما أصبحنا عليه


"هي الناس بقت كده ليه ؟"
كثيرا ما أسمع هذا السؤال من الناس
لقد تعرض الإنسان المصري منذ ما يزيد عن نصف قرن لزلزلة عنيفة وضربة على أم رأسه جعلته يفقد بعضا من توازنه وبضعا من قدراته فأمسى كالذي يتخبطه الشيطان من المس ،
ولا شك ان في ذلك شبهة جنائية من قوى مغرضة ما بين فاعل ومحرض ،
وقد إستهدفت تلك الجريمة الشنعاء أهم ما يميز الإنسان المصري عبر تاريخه السحيق ، إستهدفت فكره الرفيع وثقافته العريقة ، إذ أنها فطنت أن سر قوته وعظمته تكمن في ثقافته وموروثاته الفكرية والأخلاقية ، فأمعنت تلك القوى التخريبية بمعاونيها وعملائها ومأجوريها في تجريف عقله وتسطيح فكره والعبث في ثوابته ، من خلال وسائل مختلفة وخطوات محددة أولها وأهمها ضرب التعليم في مقتل ،
فتقلصت ميزانية التعليم ، وهدمت أبنيته ، وتهالكت أدواته ، وأهدرت وسائله ، وأهين ما تبقى من رجاله ، وتولى امره قوما آخرين لا علاقة لهم بمهنة التعليم المقدسة ،
والهدف هو صناعة جيل معاق فكريا ، جيل شبه متعلم وشبه مثقف يحمل شهادة ليس إلا ، شهادة تجعله يظن أنه متعلم وخبير ، وهذا اخطر من الأمي والجاهل ،
وقد تمكنت تلك القوى المنحطة من تفريغ عقله لتزرع فيه ما يمكنها من تنفيذ ما تهوى وما تضمر لهذا البلد ،
ذلك لأن تلك القوى المغرضة تعلم جيدا أنه حينما يسود الجهل ويتدنى مستوى الذوق والفن الراقي والأخلاق يصبح المناخ ملائما لإنتشار التطرف النظري والتطبيقي ، فتتفشى الفتن وتنتشر الإنبعاثات الضارة والأفكار الضالة في كافة المجالات ، وطفى على السطح عديم الوزن والقيمة وسقط في القاع الذهب والماس ، وأنبتت القيعان أشباه وأنصاف الرجال ، فظهر المعلم الجاهل ‘ الإعلامي الفاسد ‘ الصحفي المتخلف ‘ المطرب المسف ‘ الفنان الغث ‘ الشاعر المبتذل ‘ الكاتب الركيك ‘ المؤلف السطحي ‘ الرياضي سليط اللسان ‘ الأغاني السافرة ' السينما الساقطة ‘ المسلسلات الهابطة ‘ الشيخ المادي ‘ الفقيه الجاهل ‘ الخطيب المتفيهق ‘ الطبيب التاجر ، صيدلي المخدرات ‘ المهندس المجرم ‘ المقاول الجشع ‘ التاجر المستغل ، الضابط المتجاوز ‘ القاضي الجائر ‘ المحامي الضال وو ...
والمواطن العادي مقتدي بكل هؤلاء ومنساق ورائهم ككمية متجهة ،
فكثر التطاول وانتشرت الفتن والبذاءة والغش والرشوة والتعدي والتحرش والجريمة وضمور القيم والتطاول والطلاق ودمار الأسرة و الكثير من الأمراض الإجتماعية المهلكة ، واختلط الحابل بالنابل ووليت الأمور لغير أهلها ، في خطة محكمة للإجهاز على الهوية المصرية بضربة قاضية مضمونة النتائج ‘ مجربة الخطوات مع الكثير من الأمم التي تم القضاء عليها تماما حينما تعرضت لمثل هذا المخطط الخبيث ،
ولكن المعدن المصري النفيس الذي ربما يخدش ولكنه غير قابل للكسر صاحب الجذور الطاعنة في عمق الزمن كشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء سوف يتمايل قليلا من عنف الضربة ولكنه سرعان ما سوف يتماثل ويتماسك ويستعيد توازنه ويصنع من كبوته وقفة ، ومن ضعفه قوة ، وسينفض ما علق على ثوبه أتربة وما أصاب بدنه من وهن ،
ذلك لأن خلايا الجسد المصري قادرة على تجديد ما تلف بها وإعادة بناء ما تساقط منها ، فتلك فطرته التي فطره الله عليها ،
ولكن *
تلك الطبيعة الخاصه للإنسان المصري لابد أن تحاط بسياج من الوعي وإزالة العوائق والعوالق والعقبات التي أثقلت كاهله ' وضرورة العمل على خلق القدوة الحسنة والمثل الأعلى والقيادة الأمينة التي تحمي هذا الكيان الأصيل من العبث في هويته الأصيلة وطبيعته النقية إبتداءا من التربية السليمة والتعليم الأمين في المنزل والمدرسة والنادي والجامعة والجامع والكنيسة والشارع والسينما والمسرح والتلفاز والإنترنت ،
فالتعليم هو مصنع الإنسان ' ومنتجاته هي النسيج الوطني الذي تتألف منه كل فئات الشعب المختلفة ، فوجب أن تتآلف وتتضافر كافة القوى الوطنية المخلصة لتعيد الكيان المصري إلى سيرته الأولى ،
فلا قيمة للفطرة الأصيلة بدون تربية رشيدة وتعليم سليم . وأكرر
التربية الرشيدة و التعليم السليم ،
من أجل الوصول إلى " قلب سليم "