السيناريست عماد النشار يكتب: قَطَايفُ سَامِحٍ وَقِطَّةُ مِهْسَاسٍ


للعام الثاني على التوالي، يأتي شهر رمضان المعظم كأنه مرآة صافية تعكس الحقائق وتكشف الزيف، وكأن نوره الوضّاء يسلط شعاعه على ما هو صادق فيبزغ، وما هو مصطنع فيبهت. ومثل عصا موسى التي تلقف ما يأفكون، تتكفل الأيام المباركة بإزاحة الغبار عن جوهر الأشياء، فلا يبقى في الوجدان إلا ما هو أصيل ونقي، يثبت في الأرض كثبات النخل، بينما تتهاوى كل المظاهر الزائفة أمام وهج الصدق والبساطة.
في ليالي رمضان الهادئة، حيث تجتمع العائلات حول موائد الإفطار بعيدًا عن صخب الإعلانات وضجيج الدراما المكلفة، جاء مشهد آخر، لكنه هذه المرة لم يكن لقطة عفوية، بل اختيارًا واعيًا لشخص قرر أن يُقدّم محتوى مختلفًا.
ظهر الفنان سامح حسين ببرنامج بسيط في شكله، عميق في مضمونه، يحمل اسمًا لا يخلو من الدفء والحنين: "قطايف"، في زمنٍ تتسابق فيه القنوات على خطف المشاهدين بمؤثرات صاخبة، جاء سامح حسين ببرنامج أشبه بقطعة قطايف محشوة بالحكمة؛ حلوة في طعمها، خفيفة على القلب، مغذية للعقل والروح.
اقرأ أيضاً
موعد السحور وأذان الفجر في منتصف رمضان 2025، تفاصيل هامة للصائمين
مواقيت السحور والفجر في اليوم الـ 14 من رمضان 2025، تفاصيل هامة للصائمين
«اللهم إني أسألك من الخير كله».. دعاء اليوم الخميس الثالث عشر من شهر رمضان
السيناريست عماد النشار يكتب: العَالَمُ يُدَارُ بِمِقْيَاسِ بُرُوكْرِسْت
سحور 13 رمضان، طاجن الفول بالبيض والبسطرمة بنكهة مميزة
مواقيت السحور والفجر في اليوم الثالث عشر من رمضان 1446 هـ
من أجل صحتكِ.. خطوات بسيطة تحميكِ من السكري والمضاعفات الخطيرة
أسرار الصيام للنساء.. كيف تحافظين على صحتك وجمالك خلال رمضان
”أنا حوا” يقدم ثاني عشر وجبات إفطار رمضان: كباب حلة مع رز أبيض..بالهنا والشفا
«اللّهُمَّ اجعلني فيهِ مِن عبادِكَ الصّالحينَ».. دعاء اليوم الأربعاء الثاني عشر من شهر رمضان
مشاكل الجهاز الهضمي في رمضان.. كيف تتغلب عليها؟
ماذا يحدث لجسمك في رمضان؟.. فوائد صحية مدهشة للصيام
على منصات التواصل الاجتماعي، حيث لا تُفرض الإعلانات، ولا يتحكم رأس المال في المحتوى، قدم سامح حلقاته كمن يوزع قطعًا من الحلوى، خفيفة على القلب، غنية بالقيم. رسائل قصيرة، لكنها كضوء الفوانيس القديمة، تُضيء زوايا النفس، وتبعث على التأمل.
مع انطلاق الحلقات الأولى، تدفقت التعليقات كما يتدفق الشاي بعد الإفطار؛ مزيجٌ من الدهشة والإعجاب. الجمهور، الذي اعتاد أن تُفرض عليه مشاهد بعينها في موسم المسلسلات والبرامج الرمضانية، وجد نفسه أمام محتوى مختلف، بسيط في عرضه، لكنه عميق في رسالته.
لم يكن النجاح رقميًا فحسب، بل كان ملموسًا في القلوب. كتب سامح حسين على صفحته منشورًا مقتضبًا، لكنه حمل في طياته الكثير: "ما يحدث أشبه بالمعجزة." فبرنامج بلا إنتاج ضخم، بلا نجوم صف أول، بلا بهرجة، استطاع أن يلمس الأرواح، متفوقًا على أعمالٍ صُرفت عليها الملايين، لكنها لم تجد طريقها إلى قلوب الناس.
ومن بين آلاف التعليقات، برزت إشادة خاصة: "الأجمل أنك تتقبل النصيحة يا سامح، تُراعي أن يكون المحتوى بلا موسيقى، بلا صخب، بلا ما يُزعج الروح الصائمة." هنا، لم يكن الأمر مجرد برنامج، بل تجربة وجدانية يعيشها المشاهد، حيث يصبح المحتوى أكثر قربًا من القيم التي يسعى رمضان لترسيخها في النفوس.
هكذا، وبين ضوضاء الأعمال الرمضانية، كان "قطايف" أشبه بمائدة صغيرة في زقاق قديم، تجتمع حولها الأرواح الطيبة، تقتسم الحكايات والقيم، دون تكلف أو مبالغة؛ فقط دفء الرسالة وصدق النية. وهذا كان كافيًا ليجعل الناس تلتفت، وتُدرك أن البساطة الصادقة قد تهزم الضجيج دائمًا.
قطة مهساس
في العام الماضي، وفي ذروة الهجمة الإعلامية التي حاولت تشويه صورة المسلمين ووصمهم بالإرهاب والتعصب، جاء مشهد واحد، عفوي وبسيط، ليقلب المعادلة ويعيد رسم صورة الإسلام كما هو في جوهره: دين الرحمة والسكينة.
في ليلة روحانية من ليالي رمضان، وأمام جمع من المصلين، وقف الشيخ الجزائري وليد مهساس يتلو آيات من الذكر الحكيم بصوت خاشع ينساب كجدول رقراق بين صخور القلوب، فيغسلها من شوائب الدنيا. لم يكن يدري أن لحظة فارقة على وشك الحدوث، لحظة لن ينساها أحد، ولن تُمحى من ذاكرة رمضان.
من بين الصفوف، قفزت قطة صغيرة، تشق طريقها بخفة، كأنها مأمورة بزيارة صاحب الصوت العذب. لم تتردد، لم تخشَ الوجوه، ولم تعبأ بحركة الساجدين، بل مضت واثقة حتى وصلت إليه، ثم تسلقت رداءه، واستقرت على كتفه، كأنها وجدت ملاذها أخيرًا. مدّت وجهها تلامس وجهه بحنو، كما لو كانت تأنس بصوته، أو ربما تشاركه لحظة من السكينة التي انبعثت من تلاوته.
كان يمكن لأي شخص أن يقطع قراءته، أن يتراجع، أن ينشغل بالموقف، لكن الشيخ مهساس لم يبدُ عليه ذرة ارتباك، لم يقطع التلاوة، لم يرفع حاجبًا دهشة، بل قام بتمسيدها وواصل كأنه اعتاد أن تزوره الملائكة في هيئة قطة صغيرة! راحت القطة تداعب لحيته برفق، كأنها تُباركه على هدوئه العميق، ثم قفزت برشاقة إلى الأرض، وكأنها اكتفت بحصتها من الطمأنينة ورحلت.
وكأن القطة لم تكتفِ بملاطفة الشيخ، بل مدّت يدها – أو مخالبها برفق – لتوقظ مشاعر الملايين عبر الشاشات. ما إن انتشر المقطع حتى تجاوز حدود المسجد، بل وحدود الجزائر نفسها، وانتشر انتشار النار في الهشيم. لحظة واحدة، لم تستغرق أكثر من دقيقة، لكنها حملت في طياتها رسالة أقوى من أي خطاب، وأصدق من أي دعاية.
ملايين المشاهدات، تعليقات لا حصر لها، انبهار عالمي بهذه العفوية الساحرة. المشهد الذي التقطته كاميرا مراقبة بالمسجد تفوق على مشاهد درامية أُنفقت عليها الملايين، مشاهد يجهد صُنّاعها في كتابة سيناريوهات معقدة بحثًا عن التأثير، بينما هنا، في هذه اللقطة البسيطة، وُلدت لحظة خالدة، أصدق وأعمق من أي تمثيل.
"هذا هو الإسلام الذي لا ترونه" – كان هذا مضمون كثير من التعليقات التي انتشرت حول المقطع. دخل الفقهاء على الخط، ليوضحوا أن القطط طاهرة، لا تنقض الوضوء، في ردّ ضمني على من حاولوا البحث عن أي مأخذ فقهي على المشهد. أما الشيخ مهساس نفسه، فلم يحاول استثمار الموقف أو تحليله، بل اكتفى بكلمة واحدة: "الإسلام دين الرحمة، وكل ما في الأمر أن القطة شعرت بالأمان، ففعلت ما فعلت."
وهكذا، بينما كانت الشاشات تتهافت على تقديم مشاهد مفتعلة، كان المشهد الأكثر تأثيرًا وصدقًا هو ذلك الذي صنعته قطة صغيرة، وشيخ عابد، وكاميرا التقطت لحظة لن تُنسى، كأنها درس صامت عن الجمال الذي يحمله الدين في أبسط صوره.
وهكذا، بينما يسعى البعض إلى التأثير عبر الضوضاء، أثبتت قطة صغيرة ورجل متواضع، وبرنامج بسيط، أن القلوب لا تحتاج إلى صخب كي تهتز، بل إلى لمسة صادقة تُعيدها إلى فطرتها الأولى.