السيناريست عماد النشار يكتب: ممدوحُ الليثي رائدُ الإبداعِ السينمائيِّ وصانعُ الدراما الخالدةِ


1. ميلاد حلم في قلب القاهرة
في 10 ديسمبر 1937، في قلب القاهرة، حيث تتناثر الحكايات بين جدران الأزقة وحواف الشوارع، وُلد ممدوح فؤاد السيد الليثي. لم يكن هذا اليوم مجرد بداية لحياةٍ عادية، بل كان ميلادًا لحلمٍ كبير، يسكنه قلب فتى صغير ما زال العالم يفتح أمامه أبوابًا واسعة من الحكايات. في هذه المدينة، التي تتنفس تاريخًا وتصارع تحدياتها، ترعرع بين أحيائها، حيث الأفق يملؤه غبار الماضي وأحلام المستقبل. كان المدى أمامه مفتوحًا، مليئًا بالأصوات التي تروي القصص، وبالأنفاس التي تتوق للتغيير.
نشأ في حيٍ يتدفق بالحياة، ما بين الأسواق الصاخبة والمقاهي التي تتناثر فيها الضحكات والمحادثات، وكان هو في وسط هذه الفوضى، يشاهد كل شيء، يشعر بكل شيء. لا شيء يمر أمام عينيه دون أن يترك أثرًا في روحه، وكان يكبر على حلمٍ يتسرب من بين الكلمات، تلك التي سيكتبها يومًا ليعكس بها واقعًا يرى فيه أكثر من مجرد التفاصيل. كانت دراسته وأيامه الأولى مليئة بالأسئلة، والظلال التي تخبئ أشياء غير مرئية، ولكنه كان يتطلع إلى أكثر من مجرد أفق مادي. كان قلبه ينبض بحلم عميق، حلم الكتابة، هذا الصوت الذي سيسمعه العالم يومًا ما.
2. بين الشرطة والأدب: بداية مسيرته الإبداعية
اقرأ أيضاً
السيناريست عماد النشار يكتب: كَمَالُ المَلَّاخِ: عَبْقَرِيَّةٌ مُتَجَدِّدَةٌ وَمَشْرُوعُ نَهْضَةٍ لَا يَمُوتُ
السيناريست عماد النشار يكتب: مُثقَّفُونَ: أَحْمَدُ زِي الحَاجِ أَحْمَد!
السيناريست عماد النشار يكتب: قَلْبُ الأُرَاجُوزِ
السيناريست عماد النشار يكتب: ثَلاثُ نَوَافِذٍ لِلْحَيَاةِ حِينَ تَضِيقُ الجُدُرَانُ
السيناريست عماد النشار يكتب: ”دولت فهمي: ناظِرَةُ الثَّوْرَةِ المُغْدُورَةِ”
السيناريست عماد النشار يكتب: مزاجية الفنان لعنة الإبداع أم سر العبقرية؟
السيناريست عماد النشار يكتب: تاجرُ البندقيّة.. من شايلوك إلى النّتَن ياهو!
السيناريست عماد النشار يكتب ”دولت فهمي.. ناظِرَةُ الثَّوْرَةِ المُغْدُورَةِ”
السيناريست عماد النشار يكتب: فَنُّ صِيَاغَةِ اَلْبَيَانِ فِي حِوَارِ أَحْمَدَ مَعَ سُلْطَانَ
السيناريست عماد النشار يكتب: أثــــــيــــــــم
ممدوح الليثي لم يكن كغيره من المبدعين الذين اختاروا الفن طريقًا مباشرًا لهم. ففي الوقت الذي كان فيه آخرون يلاحقون شغفهم بالأضواء، كان هو يمضي في طريق آخر، يتأرجح بين عالمين مختلفين، وهما عالم الشرطة الذي بدأ فيه مسيرته، وعالم الأدب الذي كان يستهويه ويدفعه ليكتب.
عمل ممدوح الليثي كضابط شرطة بين القاهرة والفيوم، وكانت تلك التجربة عاملاً حاسمًا في تشكيل رؤيته العميقة للأشياء. فمن خلال مهامه اليومية في الشرطة، كان يعايش التناقضات الاجتماعية والنفسية، التي جعلت منه شاهدًا فريدًا على صراعات البشر في أبسط صورها وأعمقها. هذا الواقع العملي منحته قدرة على التسلل إلى كوامن النفوس البشرية، حيث أضاءت له تلك التجارب جوانب من الحياة لم يكن ليكتشفها في مكان آخر، ليخلق من خلال تلك الرؤية المميزة فنه الخاص.
أثناء عمله الشرطي ، حصل ممدوح على ليسانس الحقوق من جامعة عين شمس، ولكنه لم يكن ليغفل شغفه بالأدب. بدأ ينشر مقالاته في المجلات المصرية المعروفة مثل "روز اليوسف" و"صباح الخير"، وأصبح له صوت مميز وسط الأسماء التي بدأت تبرز في مجال الكتابة الصحفية.
إلا أن أوج إبداعه بدأ مع تأسيسه بابًا ثابتًا في تلك المجلات بعنوان "عسكر وحرامية". هذا الباب لم يكن مجرد زاوية صحفية، بل كان بمثابة مرآة تعكس الواقع الاجتماعي والسياسي من زاوية نقدية فريدة، مفعمة بروح السخرية التي لا تخلو من حدة الرؤية وعمق الفكر. كانت كلماته تفتح أعين القراء على قضايا لم تكن لتسقط على مسامعهم بسهولة.
3. الانتقال إلى الكتابة الفنية: نقطة التحول
رغم انشغاله بمهنته كضابط شرطة، كان الشغف الأدبي يرفرف في قلبه دومًا. كان حلم الكتابة يتسرب إليه من كل زاوية، ومن هنا، في عام 1967، بعد فترة من التردد والتفكير، ورغم الالتزام الحرفي بمهنة الشرطة، ظل قلبه يرفرف في سماء الكتابة. ولم يكن يعتقد في البداية أنه سينفصل عن العمل الشرطي يومًا ما، ولكن الحقيقة كانت عكس ذلك. في عام 1967، قرر ممدوح الليثي اتخاذ خطوة جريئة، فترك الشرطة ليبدأ رحلته مع الكتابة الفنية. قرر ممدوح الليثي أن يتخذ الخطوة الجريئة التي كانت نقطة التحول في مسيرته. ترك الشرطة نهائيًا، ليغمر نفسه في عالم الكتابة الفنية، ولم يكن يعلم حينها أن هذا القرار سيُغير مجرى حياته، ويقوده إلى مكانة مميزة في تاريخ السينما والتلفزيون.
من هناك، بدأ الليثي يخطو في عالم الفن بخطى ثابتة، وبدأت أعماله تتناثر بين صفحات السيناريوهات وتعيش على الشاشة. مزج بين الواقع والخيال بطريقة فنية ناضجة، واكتسبت أعماله شهرة واسعة في الوسط الفني. لم يكن يظن أن خطوته نحو الكتابة ستترك بصمة كبيرة في الدراما المصرية، لكنها كانت بداية رحلة طويلة أصبحت علامة فارقة في تاريخ الفن المصري.
بينما استمر زملاؤه في السلك الشرطي في طريقهم، كان ممدوح الليثي قد فتح لنفسه بابًا آخر بعيدًا عن الأسوار الحديدية للمؤسسة الأمنية. وفي تلك البوابة الواسعة، قدم العديد من الأعمال التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الذاكرة الفنية المصرية، لتظل أعماله حية، تُدرس وتُحاكى.
4. من الكتابة إلى السينما: بصمة مميزة في التاريخ الفني
في لحظة انصهرت فيها الرؤى الأدبية مع الصورة السينمائية، اختار ممدوح الليثي أن ينطلق في عالم السينما ليضع بصمته على الشاشة. لم يكن كأي كاتب سيناريو آخر، بل كان صاحب رؤية فنية متجددة، تمكنت من تحويل النص الأدبي إلى صورة حية، تعبيرًا عن واقع مجتمعي عميق. وفي عام 1964، تحقق حلمه عندما تخرج من معهد السينما، ليجد نفسه على أبواب صناعة الأفلام، متسلحًا بعقله الأدبي ورؤيته الخاصة.
5. أعماله السينمائية البارزة: بين الرواية والواقع الاجتماعي
ومع بداية رحلته السينمائية، قدم ممدوح الليثي عددًا من الأعمال التي أصبحت مراجع فنية لا تُنسى. كان من أولى محطاته السينمائية فيلم ميرامار (1969)، المقتبس عن رواية الأديب نجيب محفوظ. في هذا العمل، أظهر الليثي براعته في معالجة التحولات الاجتماعية في مصر بأسلوبه الخاص، مُقدِّمًا صورة صادقة عن آمال وهموم المجتمع ، نجح ممدوح الليثي في تحويل رواية ميرامار للأديب نجيب محفوظ إلى عمل درامي نابض بالحياة، محافظًا على عمق الشخصيات وصراعاتها الفكرية والاجتماعية. تدور القصة حول زهرة، الفتاة الريفية التي تهرب من قريتها بعد إجبارها على الزواج من رجل مسن، لتستقر في بنسيون "ميرامار" بالإسكندرية، حيث تتفاعل مع نزلاء يمثلون أطياف المجتمع المصري، كاشفة عن تناقضاته وصراعاته. أخرج الفيلم كمال الشيخ، ليبقى شاهدًا على براعة الليثي في تقديم رؤية سينمائية تحافظ على روح الرواية وتثريها دراميًا.
ثم جاء فيلم ثرثرة فوق النيل (1971)، الذي كتب له السيناريو أيضًا، ليكون وثيقة سينمائية تكشف عن حالة الإحباط والتهميش التي أصابت المجتمع المصري بعد نكسة يونيو. كانت هذه بداية جادة لمزيد من الأعمال التي ستحمل توقيع ممدوح الليثي المميز.
وفي فيلم السكرية عام 1973، و برؤية سينمائية متقنة، برع ممدوح الليثي في تحويل رواية السكرية لأديب نوبل نجيب محفوظ، بعد أن صاغ سيناريو وحوارًا عميقين نجحا في تجسيد التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدها المجتمع المصري. بحرفية عالية، وحول الرواية إلى عمل سينمائي مؤثر، ليبقى السكرية شاهدًا على عبقريته في نقل الأدب إلى الشاشة بواقعية وإبداع.
في عام 1975، كان له حضور قوي في واحد من أكثر الأفلام تأثيرًا في تاريخ السينما المصرية: الكرنك. في هذا العمل، كان الليثي أكثر من مجرد كاتب سيناريو؛ كان مؤرخًا وجنديًّا يروي قصة الشعب المصري بأمانة وقوة، ليضع أسسًا لسينما اجتماعية عميقة تتناول قضايا الوطن بأسلوب جديد. "الكرنك" هو فيلم مأخوذ عن رواية الأديب نجيب محفوظ، ويعكس الواقع الاجتماعي والسياسي في مصر في الستينيات من خلال سرد قصة مجموعة من الطلاب الجامعيين الذين مروا بتجارب مؤلمة من الاعتقال والتعذيب على يد أجهزة المخابرات. بفضل قدرة ممدوح الليثي على تجسيد تلك التحولات، أصبح الفيلم شاهدًا قويًا على حقبة تاريخية مهمة. وقد نال إشادات واسعة من النقاد والجمهور، حيث اعتُبر من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية، ولاقى تقديرًا لما طرحه من قضايا وطنية واجتماعية، وكان الليثي أيضًا منتجًا لهذا العمل السينمائي الذي حقق نجاحًا كبيرًا.
فيلم "أميرة حبي أنا" (1975) هو عمل سينمائي مصري مميز، أخرجه حسن الإمام وقام ببطولته سعاد حسني وحسين فهمي. استلهم الفيلم من قصة الأديب نجيب محفوظ "المرايا". تدور أحداث الفيلم حول "أميرة"، الموظفة الشابة والطموحة التي تعمل في إحدى الشركات الكبرى. تسعى أميرة إلى إحداث تغيير إيجابي في بيئة عملها، فتنظم فعاليات ثقافية واجتماعية داخل الشركة، مما يساهم في تحسين العلاقات بين الموظفين. تنشأ قصة حب بينها وبين "عادل نجيب"، الموظف الكبير المتزوج من ابنة رئيس مجلس الإدارة. تتوالى الأحداث لتكشف عن صراعات داخلية وخارجية، وتختبر قوة العلاقة بين أميرة وعادل.
تميز الفيلم بكتابته المبدعة، حيث أضاف ممدوح الليثي عمقًا للأحداث والشخصيات من خلال حواره المميز. كما أبدع في تقديم قصة حب تجمع بين التحديات الاجتماعية والمهنية، مما جعل الفيلم من أبرز الأعمال الرومانسية في السينما المصرية.
فيلم "أنا لا أكذب ولكني أتجمل" (1981) هو دراما اجتماعية من تأليف ممدوح الليثي، مقتبس عن قصة للكاتب إحسان عبد القدوس، أخرجه إبراهيم الشقنقيري. تدور أحداث الفيلم حول "إبراهيم" (أحمد زكي)، الشاب الذي يعيش في حالة من التناقض بين مظهره الاجتماعي الزائف وحقيقته المادية، محاولًا إخفاء ضائقته المالية عن خطيبته "خيرية" (آثار الحكيم). من خلال قصة معبرة، يعرض الفيلم صراعًا داخليًا حول مفهوم الصدق والتظاهر، مشيرًا إلى ضغوطات المجتمع التي تجعل الأفراد يخلقون صورًا مثالية لأنفسهم.
فيلم "امرأة سيئة السمعة" (1973) هو عمل درامي مصري من تأليف ممدوح الليثي، إخراج هنري بركات. تدور أحداث الفيلم حول "هناء"، التي تتورط في علاقات غير مشروعة تحت ضغوط المجتمع والظروف المعيشية. الفيلم يسلط الضوء على التناقضات الأخلاقية التي تعيشها الشخصية الرئيسية بين طموحاتها الشخصية وصراعها الداخلي. يقدم ممدوح الليثي في هذا الفيلم سيناريو معقدًا يجمع بين دراما العلاقات الإنسانية والتوترات الاجتماعية، ليجعل من "امرأة سيئة السمعة" واحدًا من الأفلام التي تحمل في طياتها رسائل اجتماعية عميقة.
فيلم "الحب تحت المطر" (1977) هو فيلم رومانسي اجتماعي من تأليف، إخراج حلمي رفلة. تدور أحداث الفيلم حول قصة حب تنشأ بين الشاب وفتاة في سياق من الظروف الاجتماعية الصعبة التي تعيشها الشخصيات. يعكس الفيلم قضايا العاطفة الإنسانية وسط التحديات التي تفرضها الحياة، حيث تتشابك العلاقات الإنسانية مع الواقع الاجتماعي بشكل مؤثر.
6. الدراما التلفزيونية: العهد الذهبي للدراما المصرية
في عام 1985، كانت مصر على موعد مع تحول كبير في عالم الإعلام والدراما التلفزيونية، وكان هذا التحول مرتبطًا بشكل وثيق باسم ممدوح الليثي. تولى الليثي رئاسة قطاع الإنتاج في التلفزيون المصري في تلك السنة، ليصبح المسؤول عن إرساء الأسس الجديدة للإنتاج الدرامي، ليترك بصمة لا تمحى في تاريخ الإعلام المصري. كانت البلاد في حاجة ماسة إلى تجديد في شكل المحتوى التلفزيوني، وجاء الليثي ليكون المهندس الذي يعيد للدراما المصرية هيبتها وقوتها.
وكانت فترة رئاسة الليثي بمثابة العهد الذهبي للدراما المصرية، حيث بدأت مرحلة جديدة في الإنتاج الدرامي المصري. كان من أبرز أعماله التي حملت هذه العلامة الفارقة هو مسلسل "ليالي الحلمية"، الذي أُنتج في ظل رئاسته وفتح الأفق لسلسلة من الأعمال التي تناولت التاريخ المصري عبر أجيال عدة. لم يكن هذا العمل مجرد مسلسل درامي، بل كان بمثابة وثيقة فنية تسجل التحولات الاجتماعية في مصر، وتحكي مراحل مختلفة من الزمن، بحيث رسمت صورة متكاملة لحياة المصريين في فترات تاريخية متنوعة.
ثم جاء مسلسل "المال والبنون"، ليكمل مشوار النجاح الذي بدأه "ليالي الحلمية"، حيث تطرق إلى صراع المال والإنسان، مسلطًا الضوء على التحديات النفسية والاجتماعية التي قد يواجهها الإنسان عندما يضع المال في مرتبة أعلى من المبادئ. كان لهذا المسلسل تأثير كبير في تشكيل الذاكرة الثقافية لأجيال من المشاهدين الذين تأثروا بالأبعاد الإنسانية العميقة التي عرضها.
وفي الوقت ذاته، كان مسلسل "رأفت الهجان" الذي قدمه الليثي نقلة نوعية في نوعية الأعمال الوطنية، حيث جسد البطولة الوطنية في أقوى صورها، مقدّمًا ملحمة وطنية عن الجاسوس المصري الذي ضحى بحياته من أجل وطنه. كانت تلك الأعمال، بجانب أبطالها، بمثابة حجر الزاوية في بناء الوعي الوطني للأجيال في تلك الحقبة.
لكن ممدوح الليثي لم يتوقف عند هذا الحد، بل أضاف بعدًا فنيًا جديدًا في عالم التلفزيون المصري، حيث قدم الفوازير الرمضانية التي كانت تُعرض في شهر رمضان. ومع فنانات مثل نيللي وشريهان، أبدع الليثي في تقديم أفكار مبتكرة لم تكن موجودة في سابقات الأعمال، مما أضفى طابعًا مميزًا على الأجواء الرمضانية، وجعل هذه الفوازير جزءًا لا يتجزأ من تقاليد التلفزيون المصري في تلك الفترة.
كما لم تغب عن ذهنه الأعمال الكبرى مثل مسلسل "ألف ليلة وليلة"، الذي حمل في طياته لمسة سحرية وفنية، ليبهر المشاهدين بمزيج من الفانتازيا والدراما. كان هذا العمل علامة فارقة أخرى في سجل التلفزيون المصري، حيث جمع بين الترفيه والفن ليحقق نجاحًا واسعًا في العالم العربي.
7. قيادة الإنتاج الفني: تحولات في صناعة السينما والتلفزيون
على مدار مسيرته الفنية، أنتج ممدوح الليثي العديد من الأعمال المبدعة التي أثرت في صناعة الفن المصري. فقد قدم ما يزيد عن 600 فيلم تسجيلي، وأكثر من 1500 ساعة دراما من مسلسلات وسهرات، فضلاً عن إنتاجه لأكثر من 70 عملًا سينمائيًا، كان آخرها فيلم "واحد صفر" الذي صدر في عام 2009.
هكذا، يمكن القول إن ممدوح الليثي كان الرائد الذي أطلق العنان لإمكانات الدراما المصرية، ورفعها إلى آفاق جديدة، فكانت فترة رئاسته للقطاع بمثابة عهد ذهبي حافل بالإبداع والتجديد الذي أضاف أبعادًا جديدة للدراما، وعزز مكانة التلفزيون المصري في قلوب المشاهدين.
8. الجوائز والمناصب والتكريمات: مسيرة حافلة بالإنجازات
في عالم الفن، وفي قلب صناعة السينما المصرية، برز اسم ممدوح الليثي كأحد الأعلام الذين تركوا بصمة لا تمحى في تاريخ الدراما المصرية. لم يكن هذا الرجل مجرد منتج أو كاتب سيناريو، بل كان قائدًا ملهمًا، ومؤثرًا في تطور صناعة السينما والتلفزيون. استحق ممدوح الليثي جميع الجوائز والتكريمات التي نالها، فقد كانت نتيجة لرحلة فنية غنية امتدت لعقود، شكل خلالها جزءًا مهمًا من ملامح الفن المصري الحديث.
بدأت مسيرة ممدوح الليثي المهنية في عالم السينما مبكرًا، حيث شغل العديد من المناصب القيادية التي كانت محورية في تطور هذه الصناعة. ففي عام 1967، تولى رئاسة قسم السيناريو، وهو المنصب الذي كان بداية لإثبات كفاءته ومهاراته الإبداعية. ثم شغل منصب مراقب النصوص والسيناريو والإعداد في عام 1973، ما منح له الفرصة للتأثير في اختيار النصوص والأعمال التي كانت تُنتج. وفي عام 1979، تولى منصب مراقب على الأفلام الدرامية، ثم بدأ مشواره في إدارة أفلام التليفزيون في عام 1982، ليصبح رئيسًا لأفلام التليفزيون في عام 1985. وفي نفس العام، تم تعيينه رئيسًا لقطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتلفزيون، وهو المنصب الذي ساعده في توجيه وإدارة الإنتاج الفني بشكل احترافي.
وفي السنوات التالية، تسلَّم ممدوح الليثي العديد من المناصب الرفيعة التي أكسبته القدرة على التأثير في صناعة السينما، إذ شغل منصب رئيس جهاز السينما، ورئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ورئيس اتحاد النقابات الفنية. لم تقتصر مهماته على الإدارة فقط، بل امتد تأثيره إلى دورٍ رائدٍ في تطور الدراما المصرية.
لقد أُدرِج اسمه في سجل المبدعين الذين شغلوا منصب نقيب السينمائيين لعدة دورات، ما يدل على مكانته الرفيعة في الوسط الفني. كانت هذه المناصب مجرد جزء من المسيرة الطويلة التي شهدت إنجازاتٍ متعددة وملموسة، كان لها دور في تطور وتقدم صناعة السينما والتلفزيون في مصر.
على الرغم من تنوع المناصب التي شغلها، إلا أن ممدوح الليثي كان دائمًا شخصية محورية في الحياة الفنية المصرية. لذلك، لم يكن تكريمه مقتصرًا على الأعمال التي قدمها أو المناصب التي شغلها، بل كان هناك دائمًا تقدير شامل لمسيرته الطويلة والمليئة بالعطاء. في عام 1992، حصل على جائزة الدولة التقديرية في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة، وهي الجائزة التي جاءت لتكريمه بعد أن قدم أعمالًا ساهمت بشكل أساسي في تشكيل معالم السينما المصرية الحديثة.
كما اختارته هيئة الاستعلامات كأحد الشخصيات البارزة في الموسوعة القومية للشخصيات المصرية المتميزةفي طبعتها الأولى التي صدرت 1989
بالإضافة إلى ذلك، فقد حصل على جوائز أخرى تقديرًا لمساهماته في الفن السينمائي، مثل جائزة وزارة الثقافة عن أفلام "السكرية" عام 1974، و"أميرة حبي أنا" عام 1975، و"المذنبون" عام 1976، وهي أفلام تركت تأثيرًا عميقًا في المشهد السينمائي المصري.
ومع استمرار تكريمه وإشادة المجتمع الفني بإنجازاته، جاء عام 2014 ليشهد إطلاق "جائزة ممدوح الليثي" في الدورة الثلاثين لمهرجان الإسكندرية السينمائي، وذلك تشجيعًا لكتّاب السيناريو الجدد. بلغت قيمة جوائز المسابقة 50 ألف جنيه، وهي تُمول من عائلة ممدوح الليثي، ممثلة في الإعلامي الدكتور عمرو الليثي، الذي حمل المشعل بعد رحيل والده. كانت هذه الجائزة تمثل تكريمًا حقيقيًا لما قدمه هذا الرجل من إسهامات عظيمة، ولإرثه الفني الذي ساعد في بناء العديد من المواهب الشابة في مجال الكتابة السينمائية.
أما في استوديو 10 بمبنى ماسبيرو، فقد تم إطلاق اسمه تكريمًا له خلال فترة توليه رئاسة قطاع الإنتاج، ليظل اسمه مرتبطًا بهذا المكان الذي شهد جزءًا من رحلته العظيمة في تطوير صناعة السينما المصرية.
9.رحيل الجسد وخلود الإسم : ممدوح الليثي في ذاكرة الفن
في 1 يناير 2014 رحل ممدوح الليثي، وترك في قلوب محبيه فجوة لا تملؤها الأيام، وترك في عالم الفن غيابًا لا يعوضه الزمن. كيف لا؟ وهو الذي كان قلب صناعة السينما والدراما المصرية وروحها النابضة بالإبداع؟ كان دائمًا حاضراً في كل عمل فني، في كل نص، وفي كل لحظة ترفرف فيها أجنحة الإبداع. كان هو الفكرة، والكلمة، والحلم الذي يتحقق على الشاشة. لكن اليوم، أصبح غيابه واقعًا قاسيًا، فنحن أمام فراغٍ لا يمكن أن يسده أحد، أمام لحظة فارقة في تاريخ الفن الذي فقد أحد أعمدته.
رحل ممدوح الليثي، لكن رحيله لم يكن نهاية لوجوده فينا. ففي كل زاوية من تاريخ السينما والدراما المصرية، ستظل أعماله تنبض بالحياة، وستظل ذكراه محفورة في ذاكرة الفن، تروي قصصًا لا تموت أبدًا. لم يكن رحيله سوى مرور الزمن، لكن تأثيره سيبقى خالداً في الأجيال القادمة، كما تبقى بصمات العظماء في مسيرة الأمم.
لقد افتقده الفن، ورحل الجسد، ولكن بقيت الروح الفنية التي شكلت ملامح السينما والدراما المصرية كما نعرفها اليوم. رحل الليثي ولكن أعماله ستظل تسكن الذاكرة الفنية إلى الأبد، وستظل الأجيال تتذكره على أنه رمز للإبداع الذي لا يتوقف. ففي كل فيلم، وفي كل مشهد، وفي كل كلمة كتبها أو أنجزها، ظل حاضراً بيننا، يحيا من خلال أعماله التي ستظل تتنفس عبر الزمن.