رحيل شاعر الحنين والصورة، سمير سعدي السايح يطوي آخر صفحة في ديوان العمر


في هدوء يشبه صوته، رحل عن عالمنا الشاعر الكبير سمير سعدي السايح عن عمر ناهز الثانية والستين، تاركًا خلفه إرثًا شعريًا نابضًا بالمشاعر، ومكتبة من القصائد التي لم تكن مجرد كلمات، بل حياة كاملة تنبض بالدفء والدهشة.
يُعد سمير سعدي السايح من أبرز الأصوات التي أضاءت مشهد شعر العامية في جيل الثمانينيات، حيث تميز بخصوصية لغوية وبنائية، وقدم على مدار مسيرته عدّة دواوين شكلت علامات فارقة، منها: مجرد عتاب، هي دي، ترتيلة بكا، كلاكيت آخر مرة، فوتوغرافيا، كتاب الأغاني، وهذا الأخير تضمن خمسين أغنية، نُغمت بعضها وشدا بها مطربون من مصر والعالم العربي.
أعلن الناقد والشاعر الكبير فتحي عبد السميع نبأ الوفاة عبر صفحته الشخصية على "فيس بوك"، قائلًا: "إنا لله وإنا إليه راجعون.. رحل الشاعر سمير سعدي إلى رحمة الله تعالى، العزاء اليوم فقط في قرية القناوية مركز قنا."
وُلد سمير سعدي السايح في محافظة قنا عام 1963، لكنه لم يكن ابن المدينة الصعيدية فحسب، بل تنقل بين جغرافيات متعددة، حيث انتقل إلى القاهرة لاستكمال تعليمه، وعاش بين أروقة وسط البلد الثقافية، قبل أن يسافر إلى قطر عام 1993 ليعمل محررًا ثقافيًا، ثم عاد إلى مصر ليتولى إدارة التسويق في إحدى دور النشر، ورغم تعدد الوجهات، ظل الشعر وطناً ثابتًا لا يغادره.
أصدر سبعة دواوين تُشكّل العمود الفقري لإبداعه، من بينها، مجرد عتاب (1997)، هي دي (1999)، ترتيلة بكا (2000)، كلاكيت آخر مرة (2000)، كتاب الغناوي (2013)، فوتوغرافيا (2016)، بوح محتمل (2023).
لم يكن السايح شاعر ديوان فقط، بل كتب للأغنية والمسرح والأفلام القصيرة، وتعاون مع أصوات غنائية متميزة، من بينها، اللبنانية يولا خليفة، الفنان اللبناني الفرنسي بشار مار خليفة، الفنان محمد منير، فايد عبد العزيز، التونسي يوسف الرياحي، السوداني أبو زر حميد، والملحن السوري الغباش.
عن ديوانه "فوتوغرافيا" الصادر عن دار "أوراق"، قال السايح إنه تجربة تتناول مفردات الحياة والموت عبر لقطات حية من الواقع، وتجسيدًا شعريًا لشخصيات حقيقية أثّرت في وجدانه، فحوّلها إلى صور شعرية نابضة.
أما في كتابه "كتاب الغناوي"، فقد بلغ ذروة التجلي الشخصي، حيث كتب عن ذاته في لحظات الطيش والحكمة، العشق والتمرد، النضج والطفولة، كاشفًا عن شاعر يؤرّخ لمراحل روحه وأغنياته التي عاش بها ولها. وجاءت تنويعاته كأنها أنغام بألوان مختلفة: غنا بطعم الحنين، غنا البيوت والناس، غنا بروح التراث، غنا بمعنى الوطن.
برحيله، يغلق سمير سعدي السايح دفتره الأخير، لكن صوته سيبقى حيًا في سطور شعره، وفي قلوب من لامستهم كلماته، فهو لم يكن شاعرًا فقط، بل حارسًا نبيلاً لذاكرة العاطفة المصرية.