وفاء أنور تكتب: عقلية علمية معملية فذة
جملة نطق بها الفنان الكوميدي "يونس شلبي" رحمة الله عليه في مسلسل تليفزيوني شهير عنوانه "مطلوب عروسة"جسد الفنان يونس شلبي فيه شخصية الدكتور "ناصف سند أبو الفضل" صاحب الثلاثة ماجستير والاثنين دكتوراة، ذو العقلية العلمية المعملية الفذة؛ لذلك فهو يرى المحيطين به عبارة عن مجموعة من الغوغاء والدهماء والعامة، على الرغم من تواضع مظهره الذي كان يثير اشمئزاز البعض منه أحيانًا، إلى جانب محدودية في تفكيره سببت له التعرض لعديد من المشكلات والأزمات.
مسلسل شارك فيه بالبطولة الفنان القدير" أحمد بدير" أطال الله في عمره، حيث جسد دور"محمود"جار الدكتور ناصف وصديقه، وأحيانًا ألد أعدائه؛ محمود هو رجل الأعمال الثري المختال المعجب بنفسه مستغلًا في ذلك ما بدا عليه من شياكة وأناقة، كان الصديقان الجاران في السكن يبحثان عن عروستان مناسبتان لهما بحسب شروطهما العجيبة وأوصافهما الغريبة؛ فقد قاما بعدة محاولات منفردة للبحث عن عروسة لكن باءت كل محاولاتهم بالفشل.
قرر الصديقان أن يستبدلا طريقتهما في البحث مستعينين بخطة بحث أخرى حيث قدما مواصفاتهما الخاصة لسيدة تدعى الخاطبة، ذلك الدور الذي جسدته ببراعة متناهية الفنانة الراحلة"نادية عزت"رحمة الله عليها، حين قدمت شخصية "أم شلبي الخاطبة" قامت به كمثال حي دال على كمية الاستغلال والنفعية، قدمت نموذجًا حيًا لامرأة لا يؤمن جانبها ولا يستهان بها، كانت تقوم باختيار معسول الكلام لتمطره على ضحيتها.
استوقفني في هذا العمل الجميل تلك الجملة التي كان يرددها الدكتور ناصف حين وصف الجميع بالسطحية، وبأنهم عبارة عن كم ضخم من غوغاء ودهماء وعامة، فهو يرى نفسه ذو النظرة الفاحصة التي لا غبار عليها، لذا فقد قمت باستدعاء روح الشخصية المنتفخة كبرًا، الشخصية المزهوة بنفسها وبعلمها بشكل أكبر من اللازم، الشخصية المعترضة على كل قول أو عمل لا يمجد خطواتها أو يشيد بمسيرتها.
كثيرون هم من على شاكلة تلك الشخصية التي سرت وعاشت بيننا، أقامت صروحًا لها من غرور وتكبر، قد نتحمل بعضها رغمًا عنا، فقد تربطنا بها علاقات لا يمكننا الفكاك منها، وبعضها لسنا في حاجة إلى البقاء بجوارها أو الإبقاء عليها، فمثل هؤلاء الأشخاص لا يرون نواقصهم، فهم المتفرغون لنسج خيوط كِبرهم وتعاليهم بعد أن طالتهم عاصفة من شعور جامح بالعظمة، فغررت بهم رياحها.
ربما تجدهم في مجال دراسة أو عمل، قريبًا أو غريبًا أيًا ما كان موقعه ومسماه ستجد شعوره الجم بنفسه يسبقه، يبتعد به عن دائرة مفهوم تقديره لذاته، فيتخطى بذلك حدود ثقته بنفسه، بعد أن أصبح كطاووس مغرور، يمشي بخيلاء كادت أن تفجره وتدمره، تجعله يلقي بأسوأ كلماته على مسامع كل من يختلفون معه، دون مراعاة منه لشعور إنساني، ودون اعتراف منه بواقع قادم -ولو بعد حين- يقصيه ويهمشه، فالحياة لا تبق على أحد إلى الأبد.
إنهم مرضى يستحقون منا الشفقة والتعوذ بالله من سيء مصائرهم، إنهم الواهمون المختالون الذين يُقبلون بجهل منهم على منازعة خالقهم في عزته، في جبروته وعظمته، يسعون للحصول على ردائه وإزاره جل وعلا شأنه، أولئك هم الظانون بأن صلافتهم هى التي سوف تبقيهم وتعلي قدرهم، فهم فوق البشر كما تراءى لهم، ترفعهم نرجسيتهم وتمنيهم بأنهم ما كان لهم أن يطأوا تلك الأرض بأقدامهم.
حدثوهم عن سوء خاتمتهم؛ إن كانوا قريبين منكم، اتركوهم واعتزلوهم إن كان وجودهم يخضع فقط لاختياركم، ذكروهم بآيات الله التي أعرضوا عنها، ثم ادعوا لهم بالهداية لعل دعواتكم تصيبهم، وتعدل مساراتهم.