محمد الغيطي يكتب: هل هم بشر ونحن بشر؟
اليوم كنت أسير في الشارع بسيارتي، أقود مرعوبًا وأتساءل: من أين يأتون ويتقافزون ويطيرون كأنهم يمتطون حديدًا طائرًا؟ موتوسيكلات، وتكاتك، وعربات كارو، وتريلات، وميكروباصات، وميني باصات... دعك من كل هذا، فما أصابني برعب حقيقي هو ذلك الشيء الطائر: موتوسيكلات عليها صندوق أصفر مكتوب عليه "طلبات".
كلما انعطفت يمينًا، زأروا بصوت كلاكس مزعج جدًا، وعندما اتجهت يسارًا، وجدت آخرين يزأرون ويقفزون ويطيرون من حولي: خلفي، بجواري، وأمامي. أصارحكم أنني كنت عائدًا لتوي من رحلة خارج الوطن، وقارنت بين شوارعهم وشوارعنا، بين سلوكياتهم وسلوكياتنا. للأسف، أنا دائمًا أعقد هذه المقارنات، وعبثًا حاولت أن أتوقف عن هذه العادة المؤلمة لعقلي ونفسي.
رغم تكلفة السفر وقفزات العملة وقوانين البنك المركزي، أصبحت مدمنًا على السفر إلى حد الإفلاس. ودائمًا أقول لنفسي ولغيري: سافر، وسترى شعوبًا غيرنا وتفهم معنى الإنسانية والحياة. ستعرف أننا لسنا "أحسن شعوب العالم" ولا "أعرقهم".
ستعلم أننا، كأفراد، أشبه بغثاء السيل، وعبء على البشرية والحضارة. ستكتشف أنك تعيش وسط ذهنيات متحجرة، ومجتمع يسبح في الخرافات والأساطير الخيالية، مع تدين شكلي يفتقد لجوهر الدين نفسه. ستتأكد أنه لا وقت ولا طاقة ولا رغبة لدى الغرب للتآمر علينا، فنحن فقط من نتآمر على بعضنا.
ستندهش من نظام السير في الشوارع واحترام الإشارات، ومن عدم سماع أي صوت كلاكس مطلقًا، حتى لو جُلت بسيارة في كل شوارع المدينة. ستلحظ لطف سائق التاكسي والباعة وعامل المطار أو حتى نادل القهوة. نعم، هم يسعون لكسب المال بكل جدية، لكنهم ليسوا طامعين في مالك أو راغبين في رشوة، ذلك فقط دورهم الحقيقي.
ستجد نفسك تتبادل الأقداح مع رجل غريب في مطعم أو مقهى، وتشارك الابتسامات مع امرأة حسناء في الشارع دون أي إيحاءات أو نظرات مسيئة. ستتعلم احترام الآخرين لتنال احترامهم، وستخجل من أشياء كنت تقترفها وكأنها بديهيات في وطنك.
وفي النهاية، أجدني أتساءل: هل هم بشر ونحن بشر؟ أين الخلل؟