هند الصنعاني تكتب: وباء اسمه ”التريند”
مع الانتشار الهائل للتكنولوجيا ومنصات التواصل الإجتماعي، أصبح من السهل على أي موضوع أن يحقق انتشارا سريعا ويتحول إلى ما يسمى ب"التريند"، مصطلح دخيل لكن أصبح معتادا يجذب الانتباه حتى وإن كان تافها أو ضارا، هذا الانتشار قد يكون وراءه أشخاص عاديون أو مؤسسات مختصة في صناعته، تحقق من ورائه أهدافا ربما تكون اجتماعية، اقتصادية أو سياسية.
لم يعد "التريند" مجرد فكرة تشغل الرأي العام، بل أصبح "وباء اجتماعيا"، وهو التعبير الأصح للإشارة إلى الظاهرة التي باتت تجتاح مجتمعنا العربي، والتي تؤثر عليه تأثيرا قويا لدرجة أننا أصبحنا نعيش في مجتمع فوضوي ضعيف الهوية الثقافية، يعاني من مجموعة من الثغرات التي تؤثر على أفراد وبالخصوص على صحتهم النفسية بسبب ضغط المقارنة الغير الصحية بين الأفراد والإدمان على شد الانتباه، وأصبح الهاجس الوحيد البحث عن "اللايكات" والمشاهدات والبحث عن التقدير.
يرتبط التريند بالآفة الأخطر وهي "التيكتوك"، مهنة من لا مهنة له، عالم مصطنع أبطاله شخصيات متنكرة وراء ما يسمى ب"الفيلتر"، نافذة افتراضية نطل منها على المجتمع العربي، تكشف لنا الصورة المظلمة والصادمة لواقعنا المزري، يكفي أن تأتي بفضيحة أخلاقية أو مشهد مقزز لتصبح من المشاهير، فتنة قلبت موازين القيم والأخلاق وعززت مجموعة من السلوكيات المرفوضة مثل التنمر الإلكتروني والتحرش الافتراضي الذي أصبح حقا مكتسبا وحرية شخصية.
الإعلام اليوم، لم ينجو هو أيضا من هذه الفتنة،فهو يساهم بقدر كبير في اقتحام من يطلق عليهم "تيكتوكرز" "البلوجرز" أو "يوتوبرز" لبيوتنا، فصُناعه يتبعون نفس الفكر ويعتمدون على الاستفزاز بدلا من القيمة، ينهجون سياسة التطبيع مع السلوكيات الشاذة بإظهارها ومناقشة محتواها بالرغم من أن النقاش قد يبدو نقديا، إلا أنه يحول كل ما هو "مرفوض" إلى "قابل للنقاش".
بالتأكيد لا نحمل الإعلام والمؤسسات التابعة له وحدهم مسؤولية الاضطرابات التي لحقت بالمجتمع، فالكل مشترك في هذا الخلل، لكنه يتحمل الجزء الأكبر والأهم، لأنه هو من يحولهم إلى مشاهير وأبطال ويصبحون أشخاصا يقتدى بهم، لذلك فهو عليه وضع قوانين وسياسات صارمة لتقنين المحتوى المتداول مع التشديد في العقوبات لدرجة التجريم خصوصا في الحالات التي يتم فيها استغلال بعض فئات المجتمع كالأطفال وأصحاب القدرات الخاصة، أيضا على الأهل مراقبة الأبناء وتوجيههم حول كيفية استخدام هذه المنصات وتحمل المسؤولية القانونية في حالة عدم الالتزام بالضوابط، وكذلك التعاون مع المدارس والجامعات حيث أن المؤسسات التعليمية يمكنها أن تلعب دورا محوريا في توعية الطلاب حول تأثير هذه المنصات وكيفية استخدامها بحذر.
ختاما، يمكننا القول أن منصات التواصل الإجتماعي والمهن الجديدة المرتبطة بها ليس سلبية بحد ذاتها، لكن كيفية استخدامها هو ما يحدد أثرها على المجتمع، لذلك يتوجب علينا كمسؤولين وأفراد مجتمع التعاون والتكاثف من أجل تعزيز الوعي الإجتماعي لتتحول الظاهرة من تحدٍّ إلى فرصة لإثراء المجتمعات العربية.