ماجدة موريس تكتب.. العام الجديد الذي لن يأتي أبدًا
اقترب موعد نهاية العام، وبزوغ عام جديد، وملئت الزينات الشوارع ومعها تماثيل بابانويل، قبل أن تحدث مفاجآت لم يتوقعها أحد من السكان في رومانيا، خاصة مدينة (تيميشوارا) التي تسربت أنباء غير سعيدة عن الاحتجاجات فيها، وغضب البعض من سكانها وهنا يبدأ الفيلم أحداثه من خلال مجموعة شخصيات تعيش في العاصمة بوخارست، ولكل منها قصة ترتبط بالموقف العام للبلد وبكل ما يحدث يوميًا من أحداث ومفارقات وقصص تثير القلق لديها، وهو ما يستمر ويتصاعد طوال أحداث هذا الفيلم الرائع الذي حصل علي الجائزة الذهبية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي منذ أيام قليلة، ومن الملفت هنا أن جوائز المسابقة الدولية الرسمية للأفلام الروائية الطويلة للمهرجان ذهبت إلى أفلام من ثلاث دول مختلفة عن الدول التي اعتادت أفلامها الفوز وهي رومانيا (الذهبية)، وروسيا وفيلم (طوابع بريد) الفضية، والبرازيل وفيلم (مالو) الجائزة البرونزية، ومن الجدير بالذكر أيضًا أن الفيلم هو الروائي الطويل الأول لكاتبه ومخرجه (بوجدان موريشانو) الذي بدأ عمله في السينما عام ٢٠٠٨ ككاتب سيناريو قبل أن يخرج فيلمان قصيران يحصل من خلالهما علي مجموعة جوائز دولية، وفي هذا الفيلم تبدو قدرته واضحة في كتابة نص يعتمد علي حدث يمس الجميع يسرد من خلاله قصص مجموعة شخصيات مختلفة اجتماعيًا، لكنها واقعة تحت تأثير الحدث الذي يأخذ الجميع الي دائرة تأثيره الواسع عليهم، خاصة حين يكون مرتبطًا بالموقف العام للدولة في أيام حكم الرئيس الروماني نيكولاي شاوشيسكو (تدور الاحداث في الفيلم عام ١٩٨٩ )، وتبدأ الاحداث حين يتفاجأ الجميع بما سمعوه عن أحداث تيموشوارا بينما هم يستعدون للاحتفال بالكريسماس، فيبدأ كل منهم في التفكير في نفسه، وسلامته، والابتعاد عن كل من لا يثق فيه، ويقع الجميع في دائرة الخوف والشك، ومراجعة النفس، للدرجة التي تدفع احدهم إلى إساءة التعامل مع طفله لمجرد ترديده لكلمات قالها الاب، وادرك انها قد تضعه في ورطة قبل ان يكتشف ان الابن سجلها كما اعتاد ان يفعل مع ابيه، وآخر يكتشف ان صديقه تحول إلى مراقبته، وهكذا تتحول شخصيات الفيلم الي شخصيات اخري تسعي للخلاص من أزمة لا تدرك أبعادها من خلال سيناريو قوي وتفاصيل مدهشة عن تحول سلوك الجميع بسبب الخوف الذي افسد الحياة وأربكها، ومن خلال تصوير بارع لكل ما يعانونه في البيوت والمكاتب والشوارع والذي أضاف للفيلم حيوية وأثارة كما لو كان تصويرا للواقع، مع موسيقي تصويرية متناغمة وأداء رائع للممثلين من كل الأعمار وانسجام مكتمل في التعبير عن القلق الجماعي والخوف الكبير في مشاهد مختلفة متتالية تضعنا في قلب اللحظة وحتي المشهد الأخير حين يقررون التحرر من الخوف بعد أن أصبحت الحياة مستحيلة، وهي نهاية قد تختلف مع الاسم الذي اختاره المخرج المؤلف لفيلمه :العام الجديد الذي لن يأتي أبدًا.