ماجدة موريس تكتب.. في مهرجان الجونة.. انت والسينما والعالم كله
ليس من الصعب ان يعرف كل منا أخبار العالم من الاعلام، ولكن من الصعب أن نعرف كيف يعيش الناس في هذا العالم، وكيف تمضي الحياة بهم، وما الذي تغير فيهم علي كل المستويات، وهذا هو ما تفعله السينما، خاصة الافلام المبدعة التي يصنعها سينمائيون كالاطباء، باحثون عن اوجاع الناس، ومدققون فيها ،وهو ما يلهم المتابعون ،اي جمهور هذه الافلام لافكار كثيرة، أو حلول، في مهرجان الجونة المتواصل الان منذ ٢٤ اكتوبر عشرات الافلام المهمة، منها ١٥ فيلما في مسابقة الافلام الروائية الطويلة، بينها افلام مدهشة كما رأيتها مثل (السلام عليك يا ماريا) الإسباني الذي يقدم مسيرة امرأة تكتشف بعد عمر وجهد كبير لتنظيم حياتها أن عليها ان تبدأ من جديد، ومثل فيلم (الجميع يحب تودا) المغربي الذي يقدم رحلة أمرأة تركها الزوج وطفلهما الذي يعاني من عدم الكلام وتحاول الام العمل كمغنية شعبية او (شيخة) كما يطلقون عليهن ،ولكنها تواجه معاناة متجددة من الشيخات المنافسات ،ومن الرجال الطامعون فيهاحتي يأتيها الحل ممن لم تتوقع أبدا، ولتقرر البحث عن عمل آخر ومدرسة تقبل طفلها وتعلمه القراءة والكتابة حتي يقود نفسه بنفسه.
من (احكيلهم عنا) الى (طاردة العشيقات)
الهجرة الي خارج الوطن لا تترك الانسان علي حاله ،وانما تضيف اليه ،وتأخذ منه ،وهو ما قدمه فيلم وثائقي هو (احكيلهم عنا) للمخرجة رند بيروتي يقدم حياة مجموعة فتيات سوريات وكرديات مهاجرات الي ألمانيا،وكيف يعشن حياة مختلفة كثيرًا، وكيف يواجهن عادات وتقاليد، وأحيانًا رفض لسلوكهن وأنواع من التمييز المقنع ضدهم ، وفي فيلم ثاني للمخرجة أنس زواهري بعنوان (ذاكرتي مليئة بالأشباح) رسالة ترثي مدينة حمص السورية الجميلة التي اصبحت الان مدينة مدمرة يعاني سكانها من كل شيء، أما فيلم (طاردة العشيقات) الصيني، للمخرجة إليزابيث لو، فيقدم فكرة فيها إنسانية لاجل الحفاظ علي الحياة الزوجية من خلال بطلته وانج التي تقوم بمطاردة عشيقات الرجال المتزوجين لتركهم، واتاحة الفرصة لهم للعودة لزوجاتهم، وهناك افلام اخري مهمة في مسابقة الفيلم الوثائقي التي اصبحت الان من اهم مسابقات المهرجانات في العالم لتقديمها قصص من الحياة بدون اللجوء للكتابة الدرامية، ولهذا امتلأت قاعة العرض الكبري بجمهور الفيلم المصري (رفعت عيني للسما) بحضور مخرجيه ندي رياض وأيمن الأمير والذي قدم تجربة حدثت في قرية البرشا في صعيد مصر وكيف أقامت مجموعة فتيات بها مسرح في الشارع استطاع ان يجتذب اليه الكثيرين من الفتيات والشباب، وحتي الآباء والامهات.
حبيبي، برج الرومي
البرنامج الرسمي خارج المسابقة هو احد اهم البرامج في المهرجان لانه يقدم الافلام الفائزة في المهرجانات الاخري، ومن هنا قدم مهرجان الجونة مجموعة من اهم هذه الافلام منها الفيلم الألماني (الاحتضار) للمخرج ماتياس جلاس الذي يقدم قصة عائلية قد تحدث في اي مكان، ولكن بتفاصيل مهمة، قد لا تقدمها افلام في بلاد وأماكن اخري، وتبدأ القصة من الاب المريض والذي يتحرك بصعوبة وسط رعاية زوجته ليزي التي تتتركه هربا من هذه الرعاية التي تتحول الي عبء، لكنها تواجه امراضًا تتزايد هي الاخري ولا يستطيع الابناء رعايتها ايضا ، بل انهم يقعون في مشاكل حقيقية ،وكأنه عقاب الهي، مثل الابنة إيلين التي يهجرها زوجها وتقع في علاقة غير شرعية تصل بها الي الجنون ،اما توم الموسيقار وقائد الأوركسترا فيعيش ازمات متلاحقة، تصل به الي تأليف مقطوعة باسم (الموت) بعد وفاة صديقه مؤسس الأوركسترا، ليمضي بعدها وحيدًا بلا رفيق في اشارة واضحة على موت العلاقات العائلية والإنسانية لدى البعض في زمننا الحالي، ومن افلام هذه المسابقة ايضا فيلم نرويجي للمخرجة ليليا انجولف هو (حبيبي) الذي يقدم قصة امرأة مطلقة تقابل حب جديد ويتزوجان ولكنهما يختلفان بعدها حين تكتشف ان الزوج الجديد كالقديم مشغول بعمله فقط بينما تقع عليها كل الأعباء، وينفصلان، وتشعر هي بان عليها ان تقوم برحلة لاكتشاف ذاتها اولا وماذا تريد من الحياة، اما فيلم (برج الرومي) التونسي للمخرج المنصف ذؤيب فيقدم قصة تعود الي سبعينات القرن الماضي عن سجن قديم أقام به سجناء سياسيين من مؤيدي الثورة علي الحبيب بورقيبة، والمتهمين بالشيوعية ،وحيث تتعامل معهم السلطات بأساليب مختلفة قبل ان تطالبهم بكتابة خطاب اعتذار للرئيس.فيرفضون جميعا إلا واحد منهم، فهل يختلف مصيره عنهم؟.
عيون مصرية احتضنت السينما
بالطبع يقدم المهرجان انشطة اخري مهمة ،اولها زمنيا هو تكريمات الافتتاح مثل جائزة الإنجاز الإبداعي للممثل القدير محمود حميدة، والذي عرضت له مجموعة افلام، وجائزة المبدعة ناهد نصر الله مصممة الملابس الكبيرة، وتكريم المخرجان اللبنانيان جوانا حاج توما وخليل جريج، كما اضاف المهرجان هذا العام جائزة (نجمة الجونة الخضراء) للافلام التي تدور حول البيئة، اضافة لبرنامج عن السينما الفلسطينية، وأيضًا أقام المهرجان مسرحا مخصصا للحوارات مع كل العاملين في السينما من كتاب ومخرجين وممثلين الي كل المتخصصين فيما يخص السينما، وايضًا معرض للصور السينمائية التي قدمها المصور الكبير (محمد بكر) الذي بدأ تصوير الافلام من الخمسينات، والذي اضاف معرضه الكثير لدي رواد المهرجان عبر الصور التي قدمها لكل نجوم السينما تقريبا علي مدي ما يزيد عن نصف قرن ،وهناك انشطة اخري تضم جوائز لأصحاب المشروعات الجديدة والذين يأملون في دعم المهرجان لها من خلال برنامج (سيني جونة)، الجونة مهرجان تتجاوز أنشطته واجتهاد فريق العمل به عمره القصير وهو ما نحتاجه الان وبشدة.