وفاء أنور تكتب.. الباز أفندي.. أعور بلد العميان
قرأت منذ فترة طويلة قصة الأعور ملكًا في بلد العميان فذكرتني بشخصية قام بأداء دورها وجسدها بمنتهى البراعة الفنان الراحل "توفيق الدقن" في فيلم قديم بعنوان ابن حميدو، هذا الفيلم الذي قام ببطولته الفنان "إسماعيل يس" إنها شخصية-الباز أفندي- الشخصية التي لا يمكن تخطيها أو نسيانها، الشخصية التي تحولت إلى حالة خاصة يتجلى فيها الشر بالمرح، العشق والهيام بالإجبار والزواج بالإكراه.
شخصية تفننت في إثارة الجدل من حولها فهى المعجبة بنفسها بشكل يصل بها إلى أقصى حد من النرجسية والغرور والشعور بالكمال، شخصية راضية تمام الرضا عن خصالها برغم إجرامها وسوء خلقها، يتضح لنا هذا الشعور مع أول مشهد يعرض لها وتحديدًا في تلك اللقطة التي يدخل فيها الباز أفندي إلى مكتبه راكبًا دراجته بكل عظمة وشموخ، كأنه أصبح ملكًا متوجًا يدير بخبرته أمور مملكته يدخل فيها وهو يعتلي عرشه.
تظهر في الخلفية لوحة معلقة على أحد جدارن مكتبه، تحمل سيرته الذاتية الغريبة والطريفة في آن واحد فالباز أفندي يشعر بأهميته ويستدعيها من خلال جمعه لنواقص الآخرين ممن يجاورونه، إذ أنه يرى نفسه متألقًا بوجاهته الزائفة وسط جموع صيادين بسطاء طيبون، أولئك الذين لم يتلقوا أدنى قدر من التعليم، لهذا فهم بفطرتهم بجلوه وقدروه، جعلوا منه علمًا في أعين كل الناظرين.
الباز أفندي؛ ساقط توجيهية، وكيل أعمال، سمسار مراكب وقباني وبالعكس، وهنا نتوقف عند كلمة - بالعكس- التي كتبت لكي تضيف لقدراته الخارقة قدرة جديدة، قدرة وهمية تبعث على الحيرة، كلمة تم وضعها لجعلك تدور في فلك تفكيرك باحثًا عن معناها، عن مقصودها، فلا تجد لها معنى إلا خلق مناخ جديد مملوء بالإثارة والتشويق.
إن هذا الرجل قد وضع نفسه بين نخبة العلماء والمثقفين بدون وجه حق، كذب على نفسه وصدق كذبته، راح ينتقد المعلم حنفي شيخ الصيادين الفنان "عبد الفتاح القصري" حين نادى الفنان أحمد رمزي قائلًا له: "يا حسن أفندي" فقال له:" أوام كده بقى أفندي زي زيه" فاضطر للاعتذار على الفور قائلًا:" لا مؤاخذة يا باز أفندي أصل احنا بقينا جمهورية"
على الرغم من عدم رضا الجميع عن تلك الشخصية الشريرة المتلونة التي تخلت عن مبادئها وقيم مجتمعها فتعاونت مع إحدى عصابات تهريب المخدرات، إلا أننا لن ننكر عليه شعوره اللا متناهي بالثقة الزائدة التي تم جلبها من مخالطته لهؤلاء البسطاء حتى لمع نجمه بينهم بعد ارتدائه لحلة مطرزة ومزينة بألوان تشبه ألوان ريش الطاووس، يختال بألوانها الوهاجة، مستغلًا بذلك تلك الهالة التي نسجتها له أبصار المحيطين، فيصنع تاج ملكه الافتراضي، ويبرع في جذب أنظار المقربين.
تعالوا نتطلع لمحيطنا الذي نعيش فيه الآن وسط عالمنا المتغير، نبحث معًا فيه عن كل من يشبهون-الباز أفندي- نتحرى عنهم، نرصدهم ونستعرض كل رواياتهم، وإن كنت أظن بكل أسف أنهم أصبحوا غير قليلين.