د. منال الشوربجي تكتب.. اغتيال ترامب
لم تفاجئنى محاولة الاغتيال التى تعرض لها ترامب، وإنما المفاجأة كانت فى التوقيت.. فممارسة العنف بالانتخابات الحالية بدأت مبكرًا عن الموعد الذى توقعته، أى المؤتمر العام للحزب الديمقراطى فى أغسطس. والأمر لم يكن مفاجئًا، لأسباب عدة.. فأمريكا ليست غريبة عن العنف والاغتيالات، فرؤساء أمريكيون عدة قتلوا بالاغتيالات سياسية، منهم إبراهام لينكولن وجون كينيدى، وآخرهم ريجان الذى تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة.
والاغتيالات ليست غريبة أيضًا عن مرشحى الرئاسة. فقد اغتيل روبرت كينيدى فى انتخابات ١٩٦٨ وتعرض جورج والاس فى انتخابات ١٩٧٢ لإصابات خطيرة فى محاولة اغتياله. بل توجد حالة مماثلة لحالة ترامب. إذ ترك تيودور روزفلت الرئاسة فى ١٩٠٩، فتولاها بعده وليام تافت. ثم عاد روزفلت للترشح عام ١٩١٢ فتعرض لمحاولة اغتيال نجا منها هو الآخر.
غير أن زخم العنف السياسى عاد ليطل بوجهه القبيح فى العقد الأخير، مما جعل انتخابات العام الحالى مرشحة بقوة لتكون مسرحًا له. فالأمريكيون، لا ساستهم فقط، يعانون من استقطاب بالغ الحدة. والمجتمع منقسم على نفسه بالتساوى تقريبًا منذ عقود، وهو ما يتجلى فى الأغلبية الضحلة التى يفوز بها الديمقراطيون أو الجمهوريون بمجلسى النواب والشيوخ.
لكن الاستقطاب السياسى وحده ليس كافيًا لتوقع العنف فى الانتخابات الحالية، وإنما توجد متغيرات إضافية لا تقل أهمية. ففضلًا عن أن أمريكا مدججة أصلًا بالسلاح فى يد الأفراد، فإن ترامب، منذ ترشحه للرئاسة فى ٢٠١٥، أطلق مارد اليمين المتطرف من قمقمه. فبعد أن كان الأخير على هامش الحياة السياسية، فإن ترامب، بمواقفه السياسية ولغة خطابه الحافلة بالعنف اللفظى، أقحمه لقلب الحياة السياسية وأضفى الشرعية على عنفه وفكره الرافض للآخر الدينى والعرقى. وطوال فترة حكم ترامب، برزت أحداث عنف متكررة ارتكبها ذلك التيار ضد جماعات مختلفة، دون إدانة حقيقية من ترامب والجمهوريين بالكونجرس. ثم رفض ترامب الاعتراف بهزيمته فى انتخابات ٢٠٢٠ فكانت واقعة الاقتحام المسلح للكونجرس من جانب أنصاره فى ٦ يناير ٢٠٢١. وهناك دلائل عدة تشير إلى أن هذا التيار على أهبة الاستعداد لاستخدام عنف أوسع حال هزيمة ترامب فى نوفمبر.
لكن أحداثا جديدة رجحت هى الأخرى وقائع العنف أثناء الانتخابات الحالية لا فقط بعدها. فالعنف المفرط الذى استخدمته الشرطة الأمريكية تجاه الاعتصامات فى الجامعات كان بمثابة جرس إنذار آخر. فقد أعلنت منظمات وقوى عدة أنها تنوى تنظيم مسيرات ومظاهرت تحيط بالقاعة الكبرى التى سينعقد فيها المؤتمر العام للحزب الديمقراطى فى أغسطس، احتجاجًا على تنصيب بايدن مرشحًا للحزب الديمقراطى. والأرجح أن تقابله الشرطة بالعنف نفسه. أما قاعات المؤتمر فمرشحة هى الأخرى لفوضى، إن لم يكن تشابكًا بالأيدى وأكثر.
والأخطر من هذا وذاك أن ٦٠٪ من الأمريكيين يؤمنون بأن الانتخابات «لن تحل» المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى يعانون منها. وانسداد القنوات السلمية للتغيير يفتح الباب على مصراعيه للعنف.
أما عن تبعات محاولة اغتيال ترامب فمتعددة. ففى بلد يعانى أصلًا استقطابًا حادًا، لن تؤثر الواقعة، على الأرجح، على نتيجة الانتخابات بين ترامب وبايدن، وإنما ستزيد من تمترس كل فريق بشكل أعمق وراء مرشحه. وقد تجلى ذلك فى تصريحات السياسيين الجمهوريين الذين صرح بعضهم علنا بأن تلك «مؤامرة» من الحكومة الفيدرالية، بل حمّل بعضهم المسؤولية لبايدن شخصيا. لكن فى انتخابات بطبيعتها فيها الصورة والدلالات الرمزية أهم من المضمون وشخص المرشح أهم من القضايا، سيتحول وجه ترامب المخضب بالدماء لأيقونة تستنفر أنصاره وتجعلهم أكثر استعدادًا لممارسة العنف المفرط.