فريدة الشوباشي تكتب: مظاهر الثراء والتحايل على القانون
كما يقول المثل: «آدى الجمل وآدى الجمّال»، وهو مبدأ يسرى فى كافة الظروف وعلى مر العصور.. ويبدو أن دولاً عدة أخذت بهذا المبدأ وطبقته بدقة، ومنها فرنسا، حيث عشت نحو ثلاثة عقود من عمرى.. فقد انفجرت حملة- فى سبعينيات القرن الماضى- شبه عامة، شملت حتى السينما، عنوانها: «المظاهر الخارجية للثراء»، والتى قد تقود إلى اكتشاف أن التحايل على القانون والرشاوى أساس هذا الثراء، ومن الأمثلة التى «تخزق العين» أن يكون هناك موظف يتقاضى راتباً يُمكِّنه من العيش بكرامة، وفى نفس الوقت يقتنى سيارة ثمنها أضعاف، وربما عشرات أضعاف، هذا الراتب.. وتتوالى المظاهر الخارجية للثراء، من شراء مسكن فاخر، إلى نوعية الملابس، وكذلك الإنفاق بسخاء لافت للنظر ولا يتناسب مع دخله الوظيفى، الذى ليس له، نظرياً، غيره.. وارتفعت أصوات تطالب الدولة بالتقصى عن مصادر هذا الثراء واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.. وكان عندنا فى الستينيات ما يشبه هذا الوضع بقانون «من أين لك هذا؟!»، ولكن الحكم بعد سياسة الانفتاح ألغى هذا القانون، الذى كان من المفترض أن يتحول إلى من أين لك «كل» هذا؟!.
وأصبحت سياسة الدرج المفتوح هى السائدة، ولا أحد يجرؤ على كشف الفساد بسبب سطوة الفاسدين، والتى تبدأ من الدرج الصغير المفتوح إلى خزائن المال بالملايين والمجوهرات، والتى تكتنز ملايين أخرى بعيداً عن أعين البنوك.. ويكفى النظر بحسرة إلى مئات الآلاف من العمارات العشوائية، التى قضت على مساحات هائلة من الأرض الزراعية، ومعروف أن «البناء» تم بتواطؤ موظفى المحليات، وتكون فتحة الدرج حينئذ بقدر قيمة الأرض وموقعها، كأن تكون على النيل مثلاً، رغم كل الأضرار الناتجة عن ذلك.. استشرى الفساد كالسرطان فى وطننا، وأصبح يبتكر فى توفير الأسلحة اللازمة لفتح الطريق له، فلا يخفى على الراصد للتحولات فى مصر أن يقيم أحدهم مسجداً فى أطراف أرض زراعية شاسعة، لا تمر أشهر إلا وغدت منطقة عشوائية بامتياز، فلا أحد حاسب ولا أحد كانت لديه شجاعة التصدى لمنع اغتيال الأرض الزراعية بإقامة مسجد فوقها، يبعد على الأكثر مئات الأمتار عن المسجد المجاور.
ومن الأسلحة الناجزة، كما شاهدنا فى قضايا الفساد الكبرى مؤخراً، أن يضع الفاسد فى مكان بارز مصحفاً وسجادة صلاة ويمسك بسبحة وهو يزين وجهه بزبيبة صلاة، علامة التقوى والورع!!!.. ومن العوامل المساعدة ترويج الشعارات الداعية إلى «التسليم» بالقدر، حيث إن «ملك الملوك إذا وهب فلا تسألنَّ عن السبب».. وأظن أن من حقنا ومن حق الدولة أن يتم تفعيل سؤال: «من أين لك كل هذا.. يا راجل؟!!».. ولاشك أن معركتنا لتطهير مصر من الفساد المتوحش الشرس تستوجب الاستعانة بكافة السبل والوسائل، خاصة المظاهر الخارجية للثراء والمظاهر الخارجية للتدين، وقبل ذلك ميكنة الجهاز الحكومى، لأن الكمبيوتر لا يشرب «شاى» بالياسمين، والأهم أنه لا يفتح الدرج.