المفكر سامح عسكر يكتب.. مشاعر مختلطة
فيديوهات الأسرى الفلسطينيين وهم يلتقون بذويهم بفرحة عارمة غلبت على المكان، ودموع تتساقط وبكاء مشحون بالفرحة والاشتياق، أليس هؤلاء ظُلموا؟؟، ألم يكن سجنهم لمجرد معارضة الاحتلال ورمي الحجارة مأساة في حد ذاته؟.
ألم يكن استشهاد الآلاف نظير خروجهم مُحزنا؟.. أليست إسرائيل هي التي سجنت وقتلت هؤلاء؟.. أليس الاحتلال هو أكبر مشكلة بفلسطين حاليا ويجب النظر إلى كونه أصل البلاء والمتسبب بهذه الكوارث والمظالم؟؟.
في حديثي مع شاب تنويري قبل يومين: قال يا أستاذ سامح أنت رجل عقلاني تؤمن بدور الفلسفة كدليل، ما العقلانية وأين الفلسفة في مقاومة محتل باطش كإسرائيل ومتغطرس مدجج بالأسلحة مقابل حجارة وكلاشينكوف؟.
قلت: في الفلسفة توجد "شفرة هيتشنز" منسوبة "لكريستوف هيتشنز" (1949- 2011م) وهو فيلسوف إنجليزي ملحد، كان له دور في نشر الإلحاد على مبدأ صاغه بنفسه وانتشر باسم شفرة هيتشنز.. ماذا تقول هذه الشفرة؟.
تقول: أن ما يمكن إثباته بلا دليل يمكن نفيه بلا دليل أيضًا.. والعكس صحيح أن ما ثبت وجوده بدليل فالنفي يجب أن يكون بدليل أيضا لا بشك أو احتمال، وهذا يعني أن عاتق الإثبات على المدعي وليس على المعترض، وهو ما عرفناه في الثقافة العربية بقاعدة "الإثبات على من ادعى واليمين على من أنكر" ولأن ثبوت الأدلة نسبي وإدراكها نسبي يختلف من شخص لآخر ومن مجموعة لأخرى نشب الخلاف حول حجية الأدلة.
طب ما علاقة ذلك بفلسطين؟
باختصار: حرب غزة تجري بين (محتل مدجج بالأسلحة المتطورة وبين شعب مضطهد مسجون يملك القليل من السلاح) هذه حقيقة (يقينية) لا خلاف عليها، حتى الصهاينة أنفسهم في حواراتهم لا ينكرونها، ويلجأون لتبرير القتل بدعوى إرهاب ذلك الشعب فقط.
هذا اليقين لا يزول بشك آخر.
ما دامت القضية أثبتت بدليل فالنفي يجب أن يكون بدليل لا باحتمال أو شك.
اليقين أن شعب غزة مظلوم يجب نصرته وعدم التشكيك في قادته وأسلوبه في المقاومة أو مصادرة حقه في اختيار زعماءه، والشك في هؤلاء القادة لا ينفي ذلك اليقين.. هكذا نفكر بشكل صحيح، وهذه هي الفلسفة.. لذا فقد استغربت موقف الفيلسوف الألماني "يورجن هابرماس" المؤيد للصهيونية قبل أسبوع ونقلت موقفه المخزي هنا على أنه انحياز عنصري توقف فيه عقل الفيلسوف تمامًا.
الفلسفة والتنوير يتطلبان دعم فلسطين وشعبها ومقاومته، فهي تعيد الإنسان لحالته الفطرية الأولى كصفحة بيضاء دون مشاكل، فعندما ينشأ الاحتلال لا نلوم تبعاته قبل لوم الاحتلال نفسه، لذلك كان وسيظل مبدأي في الحديث عن فلسطين أنه قبل أن تلوموا على هذا الشعب في مقاومته وخياراته (لوموا الاحتلال) ولا تضعوا كرهكم لبعض الفصائل والأحزاب الفلسطينية مبررا لترسيخ ذلك الاحتلال أو تشريعه..فهذا ضد المنطق السليم وكسر لكل قواعد التفلسف والفكر.
الخلاصة في إجابة السؤال: لا يمكن بناء موقف عقلاني تجاه قضية فلسطين دون بناء تصور عام للقضية وأول هذه القواعد في التصور أن ننظر لأصحاب الشأن ولا نصادر خياراتهم وقناعاتهم، وهذا يعني أنه عندما يختار الفلسطينيون النضال السلمي فيجب دعمهم، وإذا اختاروا دون ذلك يجب أيضا دعمهم.
فهم أدرى بمصالحهم، والشعب الفلسطيني ليس غبيا بل يعج بالمفكرين والعلماء والباحثين والفلاسفة، والآلاف منهم عملوا بالحقل الثقافي لفهم الصهيونية أكثر مني ومنك.
فإذا كنت تعرف الصهاينة من الكتب والإعلام، هم عرفوهم بالاحتكاك والمعاملة اليومية إضافة للكتب، فاجتمعت لديهم حسنات النظرية مع التطبيق، بينما البعض لا زال يعاني من التصورات الوهمية والزائفة عن إسرائيل والقضية برمتها، ثم يدعي أنه مثقف وباحث وهو لم يُنتج مقالة واحدة عن القضية ولم يكتب حرفا واحدا عن المشكلة ، وكل ما يملكه تغريدة أو صورة أو ميمز ينقلهم دون علم.