يسرا الشرقاوي تكتب: حكاية السبت القاطن فى «شقة العجوزة»
يظل للذين يحبون ما يفعلون ويبذلون من أجله الكثير، مكان حميم فى القلب. وبين هؤلاء من رحل أمس وإن يبقى أثره عظيما حاضرا، الفنان والناقد التشكيلى والقصاص عز الدين نجيب.
الرجل الذى رحل عن 83 عاما، كان قد أحسن إنفاق أعوام عمره الذى تفتح على خضرة غيطان محافظة الشرقية. استمع لوالده يقرأ الشعر بتأثر، وتابعه منبهرا وهو يبدع فى كتابات الخط العربى. عمل أغلب أفراد أسرته بالتعليم، مثل أبيه، وشئون الزراعة. ولكنه أتجه إلى غير ذلك، وإن لم يبعد تماما.
فقد كانت هذه الحياة الأولى بفطرتها وثرائها ملهمته وموجهته. درس عز الدين نجيب بكلية الفنون الجميلة، وتخصص فى « التصوير الزيتى». بالتوازى. ولم يتردد الشاب المنفتح على كل ما هو جميل فى أن يرضى حبه للكتابة، فبات حاضرا على صفحات الجرائد بقصصه القصيرة.
من يعرف عز الدين نجيب وسيرته، يعرف أنه الفنان القاطن بشقة العجوزة، تلك الشقة التى حولها إلى مركز مصغر للثقافة، صالون أدبى ومرسم حر يرتاده الأدباء الشباب والرسامون والشعراء ولا ينقطع فيه حديث الجمال.
ذلك المزيج من محبة الكلمة المكتوبة والخطوط التشكيلية أعده تدريجيا ليكون ناقدا وباحثا قديرا صاحب مؤلفات معدة بإتقان فى تأريخ الحركات الفنية وظواهرها وقضاياها الأهم.
ولعز الدين نجيب علاقة وطيدة بكيان مؤثر فى الحركة التشكيلية المصرية، وهو «المراسم». فقد قضى الفنان الشاب قسطا من شبابه فى ما كان يعرف بـ « مراسم الأقصر» التى احتضنت وأثرت فى كثيرين من أصحاب الريشة العظام فترة الستينيات.
ثم بات نجيب لاحقا مسئولا عن « المسافر خانة» ومراسم الجمالية التى شكلت حلقة أخرى فى التاريخ الشيق والمهجور حاليا للمراسم المدعومة من الدولة للتشكيليين.
من أواخر ما خط نجيب، الذى دأبت على مطاردة كل ما ينشره عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وسأظل أحاول استكمال قرأة اعماله النقدية والأدبية الرفيعة، مكتوبا عن «الاستكش» ومحوريته فى تجسيد عملية الإبداع، وتوثيقه الفريد لومضات الانفعال الأول للفنان بمصدر إلهامه.
كتابته الدقيقة عن تاريخ «الاسكتشات» من العصور الأولى وحتى الوقت الحاضر، كانت خير تحية أخيرة من صاحب «موسوعة الفنون التشكيلية فى مصر» بأجزائها الثلاثة. ولكن التفاعل مع كتابات نجيب وإرثه الفنى لن يكون له آخر. سيستمر لأنه آمن بما يفعل واجتهد عمرا من أجله.. وتشهد على ذلك « شقة العجوزة».