د. حبيبة محمدي تكتب من الجزائر: إلى النِّسْيَانِ نمضى! الشاعر محمود سليمان: وداعًا
كتبتُ فى مقامٍ سابقٍ مقالاً موسومًا بـ: (كلَّما سمعتُ بموتِ مبدعٍ، أَجدْتُ حياكةَ الكفنْ!)!. وهو عن فكرةِ الموت، وعن رحيلِ الأصدقاء من المبدعين والكُتَّاب والمثقفين، الذين يرحلون عنّا دون وداعٍ أو تكريم!! وها هو اليوم، يُغادرنا فى صمتٍ، شاعرٌ جميلٌ واعد، أقول «واعد»، لأنَّه كان يشّى بمشروعٍ كبير، جماليًا وتجربةً، لكنَّ القدرَ لم يُمهله لتحقيقِ ذلك، ولا نقول إلاَّ ما يُرضى اللهَ سبحانه وتعالى: (إنا لله وإنا إليه راجعون). رحم الله الشاعر المِصرى «محمود سليمان». وقد أحزننّى جدا رحيل الشاعر الجنوبى كما يُلقبونه فى مِصر، الجمعة، 1 سبتمبر.
محمود سليمان هو شاعرٌ مِصرى من محافظة «قنا» مواليد ١٩٧٦، له مجموعة من الدواوين، أشهرها «طلقةُ المحزون»، ومخطوطات أخرى لم تُنشر. ماتَ المحزونُ الذى كان يعتبر العالَم سؤالاً طويلا!. محمود سليمان حاصل على جوائز محليّة ودولية، وكان ذا لغةٍ شعرية خاصة، أراها دافئةً وحيّة، وصاحب رؤيةٍ وجودية عميقة وبسيطة فى آنٍ واحد، كانت تستحق الاهتمام، الشاعر الذى ماتَ فى صمتٍ، كان يستحق الاحتفاءَ وهُو على قيدِ الحياة، لذلك دائما ما أدعو إلى تكريمِ المبدعين والكُتَّاب وهُم أحياء، على قيدِ العطاء والإبداع. وإذْ أتقدم بخالص التعازى إلى الوسطَ الأدبى فى مِصر والوطن العربى، فى رحيلِ الشاعر محمود سليمان - رحمه الله- فإننّى لا أجدُ تكريمًا له أفضل من الاحتفاءِ بنصِّه، حيث يرحل المبدعُ ويبقى مُنجزُّه.
وهذا بعضٌ من نصّه:
- (كَمَا يَمُوتُ النَّاسُ سَأَمُوتُ
لِذَلِكَ
لَمْ أَحْسِبُ دَرجاتِ نَجَاحِى
لَمْ يَتَأَكَّدْ شُعُورِى بِالسَّعَادَةِ وَنَقِيْضِهَا
لَمْ أَسَأَلْ عَنْ دَوَافِعَ جَدِيدَةٍ لَأَتَسَلَّقَ شَجَرَةً
ثَمَّةَ مَنْ يَمُوتُ
قَلْبِى..
لَأَنَّهُ لَاَ يَمَلُّ مِنَ السُؤَالِ
ضَمِيرِى..
لَأَنَّهُ يَسْتَبِدُّ بِسَذَاجَتِى الْمُفْرِطَةِ
السَّعَادَةُ..
لَأَنَّهَا أَرْهَفُ مِنْ نَعْلِ حِذَائِى
النَقِيضُ..
لَأَنَّهُ يَخْرُجُ فِى الَلِّيلِ.
سَأَمُوتُ..
لَأَنَّ أَصَابِعِى لَاَ تَنْتَمِى لِيَدِى
وَيَدِى لَاَ تَنْتَمِى لِذِرَاعِى
وَذِرَاعِى لَاَ ينْتَمِى لِجَسَدِى
جَسَدِى مَجْمُوعُ دَرَجَاتِ نَاقِصِ واحِدٍ
هُوَ.. أَنا).
(إِلى النِّسْيَانِ نَمْضِى
كأَنَّمَا نَنْحَدِرُ بِبِطْءٍ إِلَى الفَرَاغِ المُـرَاوِغِ
- وَبِهُدُوءٍ - نُمْسِكُ بِضَحِكَاتِنا
المُتَلَبِّسَةِ بِالحَيَاةِ وَالأَمَل..
نَقِفُ على عَتَبَاتِ الذَاكِرَةِ
كَضَرِيرٍ/ يَخْمِشُ الأُفْقَ بِأَصَابِعِهِ
نَتَرَبَّصُ بِأَنْفُسِنَا/ تَمَامًا مِثْلَمَا يَتَرَبَّصُ الذِّئْبُ
بِفَرِيسَتِهِ..
وفى النِّهَايَةِ لاَ أَحَد
لأنَّ فِى النسْيانِ - دَائِمًا- لاَ شىء)!.