أول مدينة في العالم تحظر اللحوم في ظل أزمة غذاء عالمية.. التفاصيل الكاملة
يواجه العالم الأن أسوء أزماته وهي تغير المناخ، والتي تسببت في الإضرار بالعديد من الدول وجفاف أعظم أنهار العالم وجفاف المحاصيل مما تسبب في أزمة غذاء عالمية، وكل ذلك نتيجة لانبعاث الغازات المضرة بالبيئة والغلاف الجوي.
تغير المناخ
ويعد الوقود الأحفوري هو أكبر مساهم في تغير المناخ العالمي، إذ يمثل أكثر من 75 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية وحوالي 90 في المائة من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ونظرًا لتواجد هذه الانبعاثات في الغلاف الجوي للأرض، فإن انبعاثات غازات الدفيئة تحبس حرارة الشمس، وهذا يؤدي إلى الاحتباس الحراري وتغير المناخ، ترتفع درجة حرارة العالم حاليا بشكل أسرع من أي وقت مضى في التاريخ المسجل، وبمرور الوقت، تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تَغيُّرات في أنماط الطقس واضطرابات في توازن الطبيعة المعتاد، وهو ما يشكل مخاطر عديدة على البشر وجميع أشكال الحياة الأخرى على الأرض.
وتتصاعد يوميًا آثار ونتائج تلك الظاهرة البيئية، التى تدق ناقوس الخطر بعد أن امتدت تداعياتها شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، واستكمالاً لسلسلة من الفعاليات الدولية التى تتعلق بهذا الإطار، والتى بدأت فى باريس 2016.
وتطال تقلبات درجة الحرارة كل الأنظمة البيولوجية فى الدول النامية، رغم أن أكثر الانبعاثات ناتجة عن الدول المتقدمة، إذ تهدد الأمن الغذائى وانتشار معدلات الجفاف والفقر، والعديد من الأنواع الحيوانية والنباتية فى جميع أنحاء العالم بالانقراض وتجفيف التربة وزيادة معدلات التبخر تسهم فى جفاف الأنهار.
“إذا رأيتمونى فابكوا”.. عبارة وجدت منحوتة على حجارة تسمى “حجارة الجوع”، وتعود إلى 600 عام، تم العثور عليها على نهر إلبه الذى يجرى من التشيك إلى ألمانيا، وانخفض منسوبه نتيجة الجفاف، ما يعد أحد التداعيات الخطيرة لظاهرة التغيرات المناخية التى شهدها العالم فى الآونة الأخيرة.
وكانت أعلنت الأمم المتحدة عن إطلاق حملة "اعملوا الآن"، الرامية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والعناية بكوكب الأرض، وذلك مع تزايد الكوارث الطبيعية التي تشهدها مناطق مختلفة من العالم، مثل فيضانات ألمانيا وحرائق الغابات في كندا والولايات المتحدة.
وأشارت الحملة إلى أنه من أجل الحفاظ على مناخ صالح للعيش، يجب خفض انبعاثات الغازات الدفيئة إلى صفر بحلول عام 2050.
وبيّنت أن التغييرات الكبيرة يجب أن تتم في هذا المجال من جانب الحكومات والشركات، لافتة إلى أن الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون غير ممكن دون مشاركة المواطنين، وخاصة في الاقتصادات المتقدمة.
وأضافت الحملة: "يمكن لكل فرد منا المساعدة في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والعناية بكوكبنا، من خلال تغيير عاداتنا واتخاذ خيارات ذات تأثيرات أقل ضررا على البيئة، ولدينا القدرة على مواجهة تحديات المناخ وبناء عالم أكثر استدامة".
ونتيجة لذلك اتخذت مدينة هارلم الهولندية، قرارا هو الأول من نوعه على مستوى العالم، إذ حظرت إعلانات اللحوم في الأماكن العامة.
وقرر المسؤولين الحكوميين التخلي عن الإعلانات في محاولة لتقليل كمية استهلاك اللحوم، حيث أشاروا إلى أن “الأمل هو أن التخلص من الإعلانات سيقلل من كمية اللحوم التي يتم تناولها في المدينة ويكون له آثار بيئية إيجابية”.
وعلقت جاسمين دي بو، نائب رئيس المنظمة الدولية “ProVeg International”، الهادفة إلى تقليل استهلاك المنتجات الحيوانية بنسبة 50٪ بحلول عام 2040 واستبدالها ببدائل نباتية وغيرها: “في حين أنه لا يمكن توقع أي فوائد بيئية على الفور من حظر الإعلانات، إلا أنه يبعث برسالة واضحة إلى صناعة المواد الغذائية مفادها أن هارلم تريد من الصناعة أن تستثمر في أغذية أكثر صداقة للمناخ”.
وتابعت: “نأمل أيضًا أن تحذو مدن أخرى في هولندا حذو هارلم وتفرض حظرًا مشابهًا، نحن نؤيد الخطوة التي اتخذتها هارلم لحظر إعلانات اللحوم لأن إنتاج اللحوم ضار بالبيئة بالفعل”.
واستكملت: “تقوم هارلم بالشيء الصحيح من خلال حظر الترويج للحوم والانضمام إلى مجموعة متنوعة من المنظمات، بما في ذلك الأمم المتحدة، التي تريد أيضًا تقليل اللحوم لتخفيف الضغط على البيئة”.
وبشأن المنتجات والمناطق التي ستتأثر لا تزال غير واضحة، والمعروف أنه لن يُسمح بإعلانات اللحوم في حافلات المدينة والملاجئ والشاشات في الأماكن العامة.
وسيبدأ الحظر في عام 2024 بعد أن أقره مجلس المدينة رسميًا الأسبوع الماضي، وذلك بعد إضافة اللحوم إلى قائمة الوقود الأحفوري المحظورة التي تساهم في انبعاثات النيتروجين للمدينة أي المتسببة في أضرار تلحق بالبيئة.
وذكرت منظمة “ProVeg” مؤخرًا أن المزارعين قلقون بشأن تأثيرهم على تغير المناخ من إنتاج اللحوم، لكن لديهم مخاوف بشأن لوجستيات الانتقال إلى طرق أخرى.
تعد صناعة اللحوم مساهمًا هاماً في إنتاج الوقود الأحفوري حول العالم، يقول دي بو: “إن إنتاج الأطعمة الحيوانية هو المسؤول عن حوالي 20٪ من جميع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري البشرية المنشأ”.
كانت هناك اتجاهات لتدخل الحكومات أو الأفراد لمواجهة الآثار البيئية السلبية للحوم.
يقول عضو بمجلس المدينة الهولندية، زيجي كلازيس، عندما يتحدث عن صناعة اللحوم يشير إلى أنها مضرة بقدر تأثيرات الوقود الأحفوري على البيئة: “اللحوم ضارة بالبيئة بنفس القدر”.
ويؤكد كلازيس: “لا يمكننا إخبار الناس بوجود أزمة مناخية وتشجيعهم على شراء المنتجات التي تشكل جزءًا من السبب”.
أعرب قطاع اللحوم عن عدم رضاه عن الحظر وذلك لأن تناول اللحوم له مذاق ومزايا اقتصادية.
أنشأ قطاع اللحوم حملة للترويج لتناول اللحوم تسمى “بلد الطعام الهولندي” والهدف من هذه الحركة هو تشجيع تناول اللحوم، معتقدين أن ذلك له نكهة وفوائد مالية.
ويسود الخوف من الآثار الاقتصادية السلبية للتدابير المتخذة بهدف تقليل استهلاك اللحوم، أكثر من أربعة من كل خمسة مستثمرين في قطاع اللحوم قلقون بشأن تأثير تغير المناخ سلبًا على استثماراتهم.
يقول متحدث باسم المنظمة المركزية لقطاع اللحوم الهولندي COV: “إن السلطات تتمادى في إخبار الناس بما هو أفضل لهم”.
وأشار المتحدث إلى أن القرار يقيد حرية الرأي والتعبير لديهم، حيث يعتقد البعض أن القضاء على جميع إعلانات اللحوم يحد من التواصل بين صناعة اللحوم والجمهور.
ومع ذلك، يقول أستاذ القانون الإداري هيرمان برورينج، “قد يؤدي الطعن القانوني من إلى معركة قانونية مثيرة للاهتمام”.
وتم الإعلان عن حظر إعلانات اللحوم في أعقاب مطالبة منظمة رعاية الحيوان “Wakker Dier” بأن وزيرة الزراعة الهولندية السابقة، كارولا شوتين، حاولت قمع رسالة تقضي بتناول كميات أقل من اللحوم في حملة توعية بالمناخ.
ومن جانبه قال المهندس حسام محرم، المستشار الأسبق لوزير المياه، إن هناك تأثير متبادل بين قطاع الزراعة والإنتاج الحيواني من ناحية وبين تأثيرات ظاهرة التغيرات المناخية من جهة أخرى، لأن قطاع الزراعة والانتاج الحيواني يساهم في انتاج غازات الإحتباس الحراري التي تساهم في ظاهرة التغيرات المناخية، وعلى الجانب الآخر أن ظاهرة التغيرات المناخية تؤثر بالسلب على قطاع الزراعة وانتاج الغذاء بوجه عام وبالتالي التأثير في إتجاهين وليس اتجاه واحد.
وأضاف محرم"، أن قطاع الزراعة والإنتاج الحيواني معاً يساهمان إنتاج ما يقرب من 20% - 25% من غازات الإحتباس الحراري وليس فقط إنتاج اللحوم أو الإنتاج الحيواني.
ورأى محرم أن هذا القرار بحظر الإعلان عن اللحوم هو قرار غير سليم والمنطق الذي يقوم عليه غير مناسب، لأن ظاهرة التغير المناخي هي ظاهرة عالمية وبالتالي لا ينبغي أن يكون التقييم على أساس كوني وليس على أساس محلي.
ولفت محرم أن معايير تقييم أي قرار يجب أن تكون متعددة وليست تقوم على المعيار البيئي فقط، ومن ضمن هذه المعايير التي يجب الأخذ بها هي الإنتاج الغذائي واستيفاء احتياجات شعوب العالم من الغذاء وبناء عليه فهو قرار خاطئ لأن العالم يعاني من نقص من انتاج الغذاء، فربما يتوافر الغذاء لدى شعوب معينه ولكن يجب الأخذ في الحسبان أن هناك شعوب فقيرة تعامي نقص في الغذاء وسؤ تغذية لكثير من مواطنيها بما فيهم الأطفال وبالتالي فهذا قرار لا يتناسب مع وضع إنتاج الغذاء في العالم.
وشدد محرك أنه يجب مراعاة الفترة الحالية التي يمر بها العالم من أزمات بسبب الحرب والتي قد تؤدي لنقص في الغذاء خاصة مع تزايد عدد سكان العالم وسؤ توزيعهم وزيادة حاجاتهم وانخفاض في مستوى معيشة الشعوب التي تعاني من مشكلات صحية وغذائية واقتصادية.
وأضاف محرم أن هذا القرار بالتأكيد سيؤدي إلى حدوث مجاعات في بعض الدول خاصة دول الجنوب، والهجرة الجماعية من المناطق المتضررة إلى مناطق أخرى، وأوروبا من المناطق المحتمل أن تكون مستقبلة للهجرات وبالتالي سيتم تزايد السكان ونقص الغذاء في المناطق المستقبلة، ولذلك فإن هذا القرار أضراره أكثر من منافعه.
وتابع محرم أن التفكير في خفض غازات الاحتباس الحراري ينبغي أن يكون من خلال العمل على قطاعات أخرى كالطاقة الجديدة والمتجددة والنقل الأخضر وليس خفض الغذاء في ظل مايعانية العالم من أزمة نقص غذاء وسؤ تغذية.