فريدة الشوباشي تكتب.. الوطن.. حضننا جميعًا
نحن شعب نتميز، للأسف، بالاستسهال.. نأخذ مصطلحات الغرب كما هى دون التفكير لحظة واحدة فى مراميها البعيدة والتى غالبا ما تكون وبالا علينا.. وأبسط مثال هو وصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب وسيرا على خطى ذات المنهج، تلقينا مصطلحات أحزاب وتنظيمات الإسلام السياسى، فإذ بنا نصل فى زمننا هذا إلى أن تركيا أردوغان، والتى لا تزال عضوا فى حلف شمال الأطلسى، هى نموذج الدولة الإسلامية التى يتعين علينا جميعا التضحية من أجل حمايتها، ولا تسأل هنا، هل تركيا، هى من تحمى الإسلام والمسلمين، أم أن استمرار حياتها، رهن بتعبئة كافة الدول ذات الأغلبية المسلمة للدفاع عنها؟.
وأظن، فى هذا العمر المتقدم، أنه لا شىء فى عالمنا يحدث مصادفة، وهنا أتوقف أمام الأوركسترا الجماعى والذى تعزف كل آلاته نفس النغمة على الرغم من اختلاف وظائفها.. فى أواخر القرن التاسع عشر وجد رئيس وزراء بريطانيا، ضالته المنشودة، لدى دى روتشيلد البريطانى اليهودى الديانة بنظرية الدولة «اليهودية» على أرض فلسطين العربية، والتى تحقق الهدف البريطانى بتفتيت الوطن العربى، فكان بعدها، أى عام ١٩١٧، وعد بلفور، والذى تأسس على أكذوبة مدمرة تدعى سلطة الاحتلال البريطانية، بموجبها، أنها منحت شعبا بلا أرض، أرضا بلا شعب.
لكن ما يؤكد أكثر أن المخطط كان كبيرًا وعميقًا، هو تكليف حسن البنا بإنشاء ما سُمِّى بجماعة «الإخوان المسلمون» وكأن بقية مسلمى مصر كفار قريش، لتحقيق أبشع مخطط ممكن والمعروف بمبدأ فرق تسد وكان الهدف منه شقّ وحدة الشعب المصرى، إلى مسلمين ومسيحيين، وسقط المخطط حيث كان يصعب على قوة فى العالم أن تفرق بين المسلم والقبطى، إلا عندما يتوجه هذا إلى المسجد ليصلى ويقصد الآخر الكنيسة لصلاته.. كان الشعب المصرى، وظل حمدا لله، عصيا على الانشطار، لأنه عنصر واحد، ولم تكن إسرائيل تطلب الفرز، قبل شن عملياتها الإجرامية، على جبهات القتال، وأظن أن عدوان مدرسة بحر البقر مثال واضح على ما أقول، فتلاميذ بحر البقر، ضحايا العدوان الصهيونى كانوا مصريين، مسلمين ومسيحيين.. لكن قوى الشر لم تيأس، بل علا ضجيج حقدها فأخذت تطعن فى الانتماء الوطنى، مثل القول بأن ما الوطن إلا حفنة من التراب العفن، أو طظ فى مصر واللى فى مصر، أنا مايهمنيش واحد ماليزى يحكمنى ما دام مسلم!!!.
فى ظل هذا العداء لفكرة الوطن الذى يضم كل من فوق أرضه من أبناء، أيا كان انتماؤهم الدينى، علت نبرة اغتصاب كامل فلسطين، كمرحلة فى المخطط الصهيونى، الساعى إلى إقامة إمبراطوريته، من الفرات إلى النيل، بإسباغ «القومية» على يهود الشتات الذين تختلف ملامحهم وتتعدد لغاتهم، وفقا لأوطانهم الأصلية، ومن ثم تكون الأرض المغتصبة وطنا يهوديا.
ومن هنا كان التساؤل المنطقى: هل نلوم إسرائيل لإقامة دولة قوامها العقيدة الدينية، بينما نحن نسير على ذات الخطى، لدرجة اعتبار تركيا نموذجا للدولة الإسلامية؟ إن الوطن أرض حمايتها تعادل حماية العرض، وادعاء أن الدين هو أساس الدولة ما هو إلا مبرر لقيام دولة يهودية، إذ كيف تلومها وأنت تنادى بدولة على نفس الأساس.. أى قاعدة وحدة العقيدة الدينية؟.. متى نعود بقوة إلى شعار: الدين لله والوطن للجميع؟.