سامح عسكر يكتب.. اشكاليات دينية بين الأزهر والبحوث
مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر هو اللي بدأ قصة تحريم أموال البنوك في عهد عبدالناصر سنة 1966م وبناء على فتواه اعتمد الشيخ القرضاوي كتاب "فوائد البنوك هي الربا المحرم" كدليل إجماع في رده على الشيخ سيد طنطاوي الذي أنكر فتوى مجمع البحوث ليصل إلى جواز عمل البنوك وأموالها.
اعتماد القرضاوي على فتوى مجمع البحوث على أنها (دليل إجماع) بناء على قاعدة أصولية مشهورة لدى الفقهاء تسمى ( لا ينسخ إجماع إلا إجماع مثله).
فحسب الشيوخ أن الإجماع دليل فقهي وليس مجرد حجة واجتهاد، أي أنه مساو في ذاته لجوهر القرآن والسنة ويخلفهم في التراتبية الفقهية، وبالتالي ففتوى مجمع البحوث هي في جوهرها صادرة عن الله والرسول وليست مجرد اجتهاد..بينما فتوى الشيخ سيد طنطاوي بجواز أموال البنوك هي فردية غير ملزمة حتى لو وافقه آحاد الناس داخل المجلس.
دليل الإجماع رغم إنكاره ورده من بعض العلماء هو دليل أصولي يفتي به المشايخ إلى اليوم، ويسبب ردة حضارية وعقلية كبرى، ولكثرة آفاته العقلية والأصولية اخترعوا قاعدة (لا ينسخ إجماع إلا إجماع مثله) يعني لابد أن يجتمع علماء المسلمين على فتوى تنسخ ما قاله الأقدمين، وهذا شئ مستحيل..وسر من أسرار قدسية ثوابت المذاهب ومشاهيرها إلى اليوم، فما اجتمع عليه المذهب أو وصل إليه الجمهور هو بمرتبة (الفرض والثابت والمعلوم من الدين بالضرورة).
كتاب القرضاوي الذي ظهر أوائل التسعينات لا زال هو مرجع تحريم البنوك لدى الشيوخ،وهو عمدة الجماعات في الثورة على اقتصاد الدول والدعوة لما يسمى "الاقتصاد الإسلامي، ودليلهم في ذلك إجماع مجمع البحوث.
طب ماذا يعني ذلك؟
يعني أن لو مجمع البحوث خرج اليوم ليقول أن فوائد البنوك حلال (قرضاً وإيداعا) سيكون نسخا لما أفتى به سنة 1966 وبالتالي ينسخ إجماع القرضاوي وينسف حجية كتابه المتداول، لكن فتوى دار الإفتاء أو شيخ الأزهر لا يعتد بها..فهي حسب الأصوليين مجرد (رأي واجتهاد غير ملزم) فلا يصح لديهم رد الإجماع برأي الواحد.
لابد لمجمع البحوث أن يفصل (ربا النسيئة والفضل) بالتفصيل ويخرج الفروق بينهم وبين عمل البنوك، لأن فتاوى الشيوخ لا زالت تنسب أموال البنوك لهذين النوعين من الربا - والنسيئة بالذات - برغم الخلاف البيّين الواضح بينهما واعتماد الأصوليين على قاعدة "كل قرض جر نفع فهو ربا" لتكوين بديلة عن رأي أبي حنيفة في جواز الاقتراض والزيادة عليها، والأحاديث الصحيحة أن القروض (بالتراضي) هي بيع وشراء حلال.
لكن الفقه الحالي غير قادر للأسف على رد دليل الإجماع
فبرغم أنه خرافة ويستخدم سياسيا أكثر لكن الشيوخ عاجزين عن رده لأسباب تتعلق بمدارس الفقه نفسها المنقسمة ما بين (التيسير والأحوط) والأخيرة هي الشائعة التي تعمل وفقا لمبدأ (سد الذرائع) وهو اتجاه فقهي متشدد يحرم ويجيز وفقا لحديث "من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه".
وبما أن أموال البنوك مختلف عليها فهي مشبوهة، وبالتالي فتركها (أحوط).
يأتي شيوخ آخرين ليفسروا هذا الأحوط على أنه (واجب).
وقصة كبيرة سعادتك نتيجة لتقديس كلام البشر وجعل فتاويهم ملزمة فوق البلاد والعباد، فلو حسمت الدولة قصة الشيوخ هذه وجعلت فتاويهم ملزمة فقط لأنفسهم ونزعت منها قدسية التطبيق ستصبح كل هذه الخلافات في خبر كان ويضطرهم الوضع الجديد لمراجعة مدارسهم الفقهية..فهل الدولة قادرة على الحسم؟..وهل توجد أضلا إرادة للحسم؟.