امينة النقاش تكتب: ضد التيار.. مظالم أهل ماسبيرو
ارتبط «ماسبيرو» فى صبانا وشبابنا وحتى كهولتنا بأوقات البهجة والفرح والحزن والألم. كما كان قرينا للمة والونسة والألفة والمؤانسة.
من شاشة التليفزيون وصوت الإذاعة نشاهد بعدما كنا نستمع بشغف، المسلسلات والبرامج والمسرحيات والأفلام العربية والأجنبية الروائية والتسجيلية، ونزور من منازلنا معارض للفنون التشكيلية ونتلقى منها دورسا فى التذوق والتعلم للفروق التى تنطوى عليها مدارسها الحافلة بالتنوع، وتقودنا عبر تنوعها الفريد إلى محبة كل ألوان الفنون.
فتحت لنا البرامج الموسيقية والغنائية عوالم فسيحة، تعلمنا فيها ممن قال لنا ليس صحيحا أن المسرح هو أبو الفنون، بل الموسيقى، لأنها حاضرة فى الكون منذ نشأته، فى تغريد البلابل والعصافير وأصوات الرياح وصخب وتلاطم صوت أمواج البحر وهدير شلالات المياه.
ومن الإذاعة والتليفزيون كنا نتعرف على ما يجرى حولنا وفى العالم ونطلع على ثقافاته وعادات شعوبه، ومعظم أحداث ما يجرى فى بلدنا من انجازات وحتى كوارث.
شجعتنا برامج ماسبيرو على اقتناء مكتبة موسيقية وغنائية فى بيوتنا. صرنا نرتبط عاطفيا بصوت مذيع من هنا وصورة مذيعة من هناك، وتستقر الأصوات والصور لهؤلاء فى القلب والوجدان، من فرط الإحساس أنهم منا ونحن منهم، بعدما باتوا جزءا من أدوار حياتنا اليومية.
شكل «ماسبيرو» على امتداد نحو ستة عقود، وجدان وعقول أجيال، وفتح أمامهم أفقا رحبا يمرح فيه الخيال مع الأمانى جنبا إلى جنب، وأمتعهم وقدم لهم أشكالا متنوعة من الترفيه الواعى والتسلية الراقية، وصار رغم كل ما ألم به من محن، جزءا من تاريخ وذاكرة هذا الوطن، التى باتت الشكوك تساورنا، أن من بيننا، من يسعى جاهدا، إهمالا أو عمدا أو جهلا، لتشويهها وتقزيمها قبل محوها.
والصمت المخزى عن المظالم التى تعبر عنها المظاهرات شبه اليومية لمئات من العاملين فى مبنى ماسبيرو، دليل واحد من أدلة كثيرة على هذا المآل المحزن والمأساوى لهذا المبنى العريق. البعض يريد أن يحمل هؤلاء مسئولية التدهور الذى آل إليه «ماسبيرو»، ليخفى التهمة عن الكبار ممن صنعوه.
ليست مسئولية هؤلاء، أنه صار مخزنا لتعيين الأبناء والأحفاد والأقارب والمعارف، بصرف النظر عن الجدارة والأهلية والكفاءة.
حاسبوا من سمح بذلك لأسباب سياسية وشخصية، تفتقد، كما يعرف الجميع، لأي معايير موضوعية. حاسبوا من منح الامتيازات المالية والوظيفية فى غير موضعها لنفس الأسباب.
حاسبوا من أنفق الأموال لتجديد مكاتب القادة وكبار المسئولين فى المبنى، وترك غرف المذيعين والضيوف والحمامات تنضح بالإهمال والقذارة . فضلا عن النقص المشين للامكانيات ولمعدات العمل واحتياجاته التقنية، التى بقيت متهالكة، وغير صالحة للاستخدام وخطرة أحيانا، ودفعت إعلاميين للانفاق من مالهم الخاص لشراء أدوات تمكنهم من مواصلة عملهم دون انهاك أو احراج.
لا تحاسبوا الضحايا، المحاسبة واجبة للجناة، كل الجناة، الأحياء منهم والأموات، ليس بهدف الانتقام أو التشهير، بل لكى نستخلص العبر ونتعلم من الأخطاء، حتى لا نكررها، ونفتح الطريق لبداية جديدة من أجل النهوض والاصلاح.
عشرات المئات من العاملين فى«ماسبيرو» لجأوا إلى التظاهر داخل المبنى بعد أن سدت أمامهم الأبواب لسماع شكواهم المشروعة وحلها.
تأخرت اجراءات صرف مستحقات المحالين منهم إلى المعاش فى مكافآت نهاية الخدمة وحقوقهم التأمينية، وعدم صرف رواتب البعض الآخر منذ عدة شهور، وتوقف صرف العلاوات الدورية منذ نحو خمس سنوات. والسبب لا يخفى على أحد.
إنه سوء إدارة المبنى مهنيا وماليا، الذى افتقد من يديرونه إلى البصر والبصيرة وهم يصدرون أمرا بغمره بالمياه والصابون فى أيام برد الشتاء القارس، وانخفاض غير معهود فى درجات الحرارة، ظنا منهم أن ذلك سوف يمنع التظاهر، ويبقى حقوق المتظاهرين مركونة فى المخازن دون حل.
لكنه اجراء يؤكد فحسب ، فقر الخيال وسقم السلوك، وعجز عن القيادة والإدارة لموقع حيوى وهام فى الدولة!.
ما يجرى للعاملين فى ماسبيرو يجلب التعاسة ويشعرنا بالخجل. وياسادة أليس فى هذا المبنى رجل رشيد، يشرع فى حل عاجل لهولاء الموظفين، الذين أفنى بعضهم عمره فى هذا المبنى، بدلا من كيل الاتهامات لهم، وتقديم بلاغات فى نواياهم ومواقفهم للجهات الأمنية، وبذل الجهود العبيطة لمنع التظاهر، بدلا من بذلها لحل عادل ومنصف للمشكلة؟.
لا تذهبوا بعيدا بحثا عمن يعادون جهود الدولة ويعرقلون خطوات النهوض بها .فى اصطناع مثل تلك المشاكل يوجد ما تبحثون عنه.