هند الصنعاني تكتب: الرجل الغامض بسلامته
من التهم المنسوبة للمرأة، أنها كائن متقلب، غير محدد الأهداف و الإرادة، لها شخصية مزدوجة أو متعددة، تتغير شخصيتها حسب الظروف وأحيانا حسب الشخص الذي أمامها، فتتوجه أصابع الاتهام إلى "الهرمونات" فيقال أنها السبب الرئيسي في مزاجيتها و طريقة تعاملها مع شريك حياتها خاصة.
أما عن " الرجل" الذي لا يتوفر على هذه الهرمونات "المجرمة"، فبدونها تصرفاته و مزاجيته قد تكون أخطر في بعض الأحيان، و أتكلم بالتحديد عن الرجل "الغامض" ليس ذلك الغامض الذي تغنت به السندريلا وجعلته بطلا أو ذلك المتخفي وراء نظارة سوداء، لكنني أقصد ذلك الرجل الذي يجمع بين شخصيتين متباينتين تماما، واحدة يتصدر بها المشهد خارج بيته لتجده رجلا عذبا مبهجا رومانسيا و عقلانيا مع جميع نساء العالم إلا زوجته، تجده " فرفوشا" وبشوشا متفتحا مناصرا للمرأة ولعملها و لنجاحها، كريم و قلبه "مساكن شعبية" مستعد لإيواء العشرات من النساء إلا شريكة حياته.
هكذا حال عدد كبير من الرجال، حالة سائدة في مجتمعاتنا العربية، اضطرابات نفسية و ازدواجية الشخصية، يعيشون على هذا النمط من الحياة، لا يستطيعون التراجع إلا نادرا ربما عندما يصطدمون بأسباب قهرية تكون في شكل أزمات قوية هزت من كيانهم.
لكن، اعتقد أن هناك نموذجا أكثر خطرا، ذلك الرجل الغير مفهوم ليس للمحيطين به بل لنفسه، غير محدد الهوية، يُظهر عدة مشاعر متضاربة في نفس اللحظة، يعيش لحظة حب و في نفس الوقت يقذف لفظا هداما كأنه يستخسر فيها الإحساس بالأمان الذي تصيدته شريكة حياته في تلك اللحظة، يريدها لامعة و يفتخر بنجاحها لكنه في نفس الوقت يستمتع بالعراقيل التي يضعها في طريقها فتثقلها و تجهدها للوصول إلى حلمها الذي تسعى إليه ربما منذ سنوات عديدة، هذه الشخصية قد تلمس منها حبا شديدا كما تلمس منها كرها عميقا، يغمر شريكته تارة بالشكر و الامتنان لتضحياتها الغير محدودة و الغير معدودة و يغمرها تارة بالتجاهل و الإهمال و كسرة النفس، هذا النوع من الرجال أكثر إيذاء للمرأة، لأنه متعب نفسيا لا يترك لها المجال لتحديد خطة و منهج تتبعه معه في الحياة، فهي في انتظار الجديد دائما معه، و يكون أخطر أيضا على الأبناء، فهو يزرع فيهم منذ الصغر نوعا من التناقض الوجداني الذي يكون واضحا لهم في مشاعره وتصرفاته معهم أيضا.
في اعتقادي أن هذا النوع هو السائد حاليا في مجتمعاتنا العربية، الأكيد أن الأسباب نفسية مائة بالمائة بسبب النشأة الغير السوية افقتدته ذلك التوازن في المشاعر و إدارة الأمور فولدت لديه عدم القدرة على اختيار منهج سليم يطبقه في تعاملاته إلى أن أصبح شخصية حائرة بين اختيارين فيدخل في عتمة نفسية.
إذن الموضوع ليس له علاقة بالهرمونات على ما اعتقد، هو موضوع تربية و نشأة و أيضا صحة نفسية يتوارثها الأجيال، هو خط مذبذب يمشي عليه باحثا عن هويته المفقودة.