سامح عسكر يكتب: نصيب البنات في الميراث
ودلوقتي حضرتك لو قاعد في مدرجات الدرجة الثالثة هتلاقي على يمينك الأزهر والأوقاف يقولون "لا يجوز توزيع التركة للبنات أو بمزاج المتوفي" بينما على شمالك دار الإفتاء تقول "بالجواز عادي" فمن حَكَم في ماله ما ظلم..
القصة بدأت من حديث "لا وصية لوارث" وهو حديث يزعم الفقهاء إنه (ينسخ القرآن) كما قال فضيلة الشيخ الجهبذ "محمد حسان" فضحه الله، والنسخ يعني الإلغاء فيكون المعنى إن هذا الحديث يلغي قوله تعالى "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين" [البقرة : 180] وقوله تعالى "من بعد وصية توصون بها أو دين" [النساء : 12]
والرد على ذلك:
أولا: الإمام الشافعي يقول بعدم نسخ القرآن بالحديث، وبالتالي حديث لا وصية لوارث لا محل له من الإعراب، ويجب تقديم الآية القرآنية عليه فيكون مذهب الشافعي هو (جواز تقسيم التركة فيما دون الفروض المعلومة) يعني تعمل وصية توزع فيها تركتك بالعدل كيفما تريد..
ثانيا: إنكار الأزهر والأوقاف دليل على عدم تقيدهم بمذهب الشافعي في المسألة رغم تدريسه في الجامعة، وفضّلوا ما آل إليه الحنابلة وهذا يثبت كما أكرر دائما بأن الأزهر (مُخترَق) وهابيا وصار شيوخ الأزهر يقدمون المذهب الحنبلي على سائر المذاهب، ومعارضة دار الإفتاء هنا دليل على تقيدها بخط الأزهر العام وهو تقديم المذهب الشافعي بالفقه والأشعري بالعقائد، لأن الأشاعرة يأولون النصوص أو يردوها إذا تعارضت مع محكم القرآن، وهنا الحديث متعارض فوجب رده..
ثالثا: حديث "لا وصية لوارث" لم يذكر في الصحيحين لكن ذكر معناه في البخاري موقوفا على ابن عباس..يعني دا كلام ابن عباس أصلا مش النبي وفقا للبخاري..
رابعا: أصل الحديث حنبلي مذكور في كتاب المسند لابن حنبل، وبتحقيق السند وجدناه موقوفا على "شهر بن حوشب" وهو ضعيف السند عند الذهبي والنسائي وكثير الوهم عند ابن حجر، ومن أشد ما ذكر فيه طعن الإمام يحيى الكرماني بقوله "كان شهر بن حوشب على بيت المال فأخذ خريطة فيها دراهم"..!..يعني شهر كان حرامي والحديث رواه أحد اللصوص..!!..مفاجأة مش كدا..
كل الحكاية إن ابن حنبل كان بيحب عمنا شهر بن حوشب فوثّق حديثه، وكتب التراجم تنقل هيام وعشق ابن حنبل لهذا الرجل رغم سمعته اللي زي الهباب..!
خامسا: أصل الحديث كذلك في قاعدة "الولد للفراش" يعني لو مراتك خانتك مع عشيقها وخلّفت منه..فيكون الطفل باسمك لأنه مولود عندك.. وهذا الحديث مشهور للصحابي عمرو بن خارجة وعمل لغط كبير جدا الفترة الماضية بعد قصة ولادة أحد الزوجات الخائنات وشك الزوج في نسب أبنائه فحكمت المحكمة أن الولد للفراش، يعني حتى لو مش ولادك بس هيتكتبوا بإسمك لأنهم مولودين في بيتك..!!
وسيبك بأة من قصة الجينات الوراثية والشَبه والأخلاق والعقل وتعالى نتبع واحد حرامي كشهر بن حوشب نعمل بيه قوانين أحوالنا الشخصية..!!
سادسا: الإمام ابن ماجة صدق الحديث كونه عاشقا لابن حنبل، وسجل الحديث في سننه علما بأن كتاب سنن ابن ماجة للمطلعين على صنعة الحديث هو تكرار وميكروفون لمسند ابن حنبل، علما بأن رواية أخرى للحديث سجلها ابن ماجة في طريقها "شرحبيل بن مسلم الخولاني" وهذا ضعيف عند ابن معين..يعني الحج ابن ماجة مكانش مُتقن صنعة الحديث، هذا كان يروي عن ضعفاء أو يقلد وينقل عن من سبقوه..
سابعا: تناقشت قديما مع سلفي في هذا الحديث وقال أن البخاري حتى لو نقله عن ابن عباس فقول الصحابي حُجة، ولأنني مدرك لمذهب الحنابلة السلفيين بقبول مرسل الصحابي وقوله كدليل شرعي لم أجادله في تلك النقطة لكوني أتحدث مع إنسان بلا عقل، واخترت أن أرد عليه وفقا لمنهجه الحديثي..قلت له يافلان: ألا تعلم أن حديث البخاري ضعّفه "أبي داوود السجستاني" في كتابه المراسيل؟ قال كيف؟ قلت: طعن في سند البخاري نفسه بقوله (عطاء الخراساني لم يدرك ابن عباس ولم يره) والبخاري نقل هذا الحديث عن عطاء منسوبا لابن عباس..!..وكانت صدمة قاصمة حاسمة..
فالسلفي لا يدرك أن محدثين زمان كانوا يطعنوا في أحاديث بعض عادي، وهذا كان وارد بشدة في نماذج كردود أبي داوود والدراقطني على البخاري، ثم ردود النسائي على مسلم..وغيرهم، ففي هذا الوقت كان عصر اجتهاد حقيقي ولو في النقل دون العقل..يعني الاجتهاد كان مفتوحا في السند للرد والتأليف وهذا أكبر مطعن على علم الحديث بالكلية، أن اختلافهم هو بالأصل على الرجال لا على سنة
ثامنا: حديث لا وصية لوارث ينكر القرآن بوضوح، قال فيه الإمام المروزي في كتابه السنة "ظاهر الكتاب موجب إجازة الوصية لغير الوارث، وإن أتى ذلك على جميع المال؛ لأنه إنما فرض المواريث من بعد الوصايا"..(السنة صـ 71) والمعنى إن لو أوصى المالك (بكل التركة) لغير الوارثين فهو جائز طبقا للنص القرآني ولا يجوز تقييد هذا الحكم بأي نص آخر..
الآن لمناقشة الحديث عقليا
أولا: معنى أن يكون الميراث للفروض المعلومة دون الوصية يعني فتح الباب للصراعات العائلية وتفكك الأسر، فوقتها ممكن المسلم يسرق أخيه أو يظلمه وهو يعلم أنه سيرث في تركته (غصب عنه) فيكون الميراث بدلا من أن يكون أداة لتقريب وصلة الأرحام سيكون مصدراً للحقد والجريمة..والتطبيق العملي أثبت ذلك..ففي مصر عام 2016 سجلت 5000 قضية قتل على الميراث و 2500 قضية حجر وأكثر من 230 ألف قضية ميراث عموما منظورة أمام المحاكم..
ثانيا: العدل هو ميراث المحتاج أو الأكثر احتياجا وهذا قد يتعارض مع الفروض المعلومة، يعني ممكن بناتك هم أشد احتياجا للمال مياخدوش من التركة غير القليل بينما الذكر اللي ربنا أكرمه من وسع وصار غنيا ياخد أكثر..وهنا ظلم فاحش ومصدرا للحقد الأسري وتفكك العائلات بالقرى والنجوع..
ثالثا: الملكية الخاصة للمال لا تُنزَع سوى بجريمة أو مخالفة أو جنون، وما دام هذا لم يحدث وكان المالك سليما عاقلا وملتزما فله مطلق الحرية في توزيع تركته مثلما يحب ويرغب، ولا يجوز الحكم على الاستثناء كمن يُبدد أمواله بسَفَه لأن الغالبية الأعم تُقدر قيمة المال وتحرص على دوام ملكيتها الخاصة وزيادتها، وهي حذرة جدا في توزيع أموالها سوى على الثقات، ومن يحكم على الاستثناء نقول له مباشرة: أن السفه والتبديد وهدر الأموال جائز في الفروض المعلومة، يعني بعد تطبيق حديث "لا وصية لوراث" قد يذهب المال لغير أهله.. بس ياسيدي..