محمد الغيطي يكتب: الانثى والثعلب والذئب
تداخلت في طقس روحه كل المواسم في ذاك اليوم الذي أطل من نافذة ذاكرته طازجا كأنه الامس ،لا بل اليوم ،شعر بلزوجة الرطوبة تنهش جلده وملح العرق يهطل على عينية فتسقط سحابة حبلى بالمطر.
ومإ إن مسح بمنديله الورقي المستعمل غشاوة الرؤية حتى انفتح موزراب السماء وسقطت نتف ثلج سرعان ماتحولت لكرات مخروطية ثم مزفت نياط الصمت اصوات رعد وانفجارات برق.
كان يرتدي ملابس صيفية ،شعر بصقيع جعل اسنانه تصطك وواصابعة تتجمد، حاول ان يلوذ بشجرة فلم يجد الا شجرة صبار موحشة، جلس اسفل كفها المسطح فانغرست في رقبته واليته اشواكها الحادة، صرخ ونهض يجري والسماء تعبر عن غضبها والارض موحلة ،تعثر في ثعلب مقتول برصاص بدوي عابر ، تذكر انثاه التي خانته مع صديقه في فراشه بينما كان يعد طعام العشاء لثلاثتهم.
اراد ان ينقذه فسحبه نحو يابسة جافة واخرج الرصاصة وطببه وظل بجانبه ليلتين حتى فتح عينيه ،سأله الثعلب لماذا انقذتني وانت تعلم اني لامحالة سالتهم لحمك وعظامك قال له هو الطبع ،اذا اردت ان تأكلني فلاعاصم لي ،انا مللت الحياة افعلها وارحمني ،قال الثعلب الرحمه ليست طبعي بل هي طبع خالقي وخالقك ،اسأله ان يرحمك مني ،قال هو يسمعنا ،لو مكتوب ان اموت على يديك سأموت وانا راض بقدري ،اثناء ذلك كان الثعلب الجائع يفكر من اين يباغته وفجأة ظهر ذئب مسعور انقض على الثعلب والتهمه في نشوة عارمة ومضى ،كان الرجل ينظر للمشهد الدموي بنظرة الزاهد المتصوف وماإن تحرك الذئب ليغادر حتى صاح فيه :ايها الكائن انا امامك لماذا لم تأكلني.
فقال الذئب : اليوم انا شبعت ،ربما اجوع. غدا ،لو مررت هنا ووجدتك اعدك انك ستكون وجبتي القادمة ومضى.
كانت السماء قد هدأت والقمر ظهر يضئ السماء بعد حلكة وشعر بالتعب والجوع وعلى مرمى البصر وجد واحة ،دلف اليها ووجد اشجار التفاح يانعة ،مد يده وقطف منها ثمارا ثم وجد اعنابا وزيتونا ونهر ين من عسل وحليب وشعر انها الجنة، تقافز فرحا واخذ يتجول دون ان يأكل، الانبهار انساه جوعه وتعبه واثناء تجواله سمع صوتا واهنا ينادي باسمه واتجه نحو الصوت فوجدها هي حبيبته التي خانته ،متعبه ،لاتقوى على الوقوف سألها :مابك ؟
قالت : كنت ابحث عن طعام ولم اقدر على قطف الثمار ، رق قلبه وبدأ يقطف لها ويطعمها وبعد ان شبعت اخذت ثمارا اخرى وقالت له : اشكرك الى لقاء
سألها :الى اين ؟ انا كنت افكر فيك
قالت : اعذرني ،حبيبي ينتظرني عند الباب لاطعمه
قال وماذا أكون ،الست حبيبك ،قالت انت طيب جدا ،وتركته يبكي عند شجرة الصبار واختلطت في طقس روحه كل المواسم