محمد عبد القدوس يكتب: حكاية سوسن
انا رسام ۰۰ وعندما أرسم وجها من الوجوه التي اختارها ، لا أرسم ما أراه بعینی ، ولكني أرسم صورة صاحب هذا الوجه كما اتخيله
أرسم رأيي فيه.. أرسم حكمي عليه..
كل ذلك ينبعث من داخلى ، ويكون رأيي في الوجه الذي ارسمه.
وقد تعودت ان انظر الى وجوه الناس الذين ألتقى بهم ، وأرى فيها اکثر مما يراه الرجل العادی ۰۰ انظر اليها بعيني فنان ، وأرى فيها موضوعا ، لا مجرد شكل.
وغالبا ایضا لا يعجب من أرسمه بالوجه الذي رسمته له ۰۰ انه يری وجهه في اللوحة ، ولكنه يرى بجانب وجهه رأیی فیه ..فيغضب.
الى أن ألتقيت بسوسن ۰۰
التقيت بها على شاطىء البحر .
رأيتها من بعيد ۰۰ وتعلقت بها عینای كأني أشهق.. لم أر من قبل مثل هذا الجمال ..
جمال برئ.. هادی ۰۰ مريح .. كالدموع ۰۰
کالنغم الحزين .. كالتنهد .. وشعرها في لون البندق ، تشده إلى الوراء، كانها تخشى أن يسرقه منها الهواء، وعيناها ملونتان ، واسعتان ، فيهما دهشة دائمة.. دهشة ساذجة ، كأنها دهشة طفل يفتح عينيه على الحياة لأول مرة ..
ولم تكن ترتدى مایوها كبقية البنات..
كانت ترتدي ثوبا ازرق ، مقفولا حتى رقبتها ، وأكمامه تصل الى منتصف ذراعيها .. وكانت تعبث بأصابعها في الرمال
وقفت أبحلق فيها ، من بعيد ، وخيالي يرسم لها صورة .. واحترت في عنوان الصورة هل أسميها , القديسة ، أو الطاهرة ، أو براءة ، أو ملاك ، .. أو .. أو
ولم تلتفت إلي سوسن .. انها أشد براءة من أن يمسها غبار آدمی مثلى .. اشد طهرا من أن ترفع عينيها الى مخلوق من طين
وقضيت يومي أحلم بالصورة التي ارسمها لها ۰۰
ثم مضت الأيام ولم أعد أحلم بالصورة ، بل اصبحت أحلم بها
بشخصها کأنی أحببتها
ربما أحببتها فعلا وكان يجب أن أعرفها وأن ارسمها
وأصبحت أتبعها وأنا أبحث عن الطريق اليها .. وعرفت كل أقاربها وكل صديقاتها ، وصديقات صديقاتها
إلى أن وجدت فتاة أعرفها ويمكن أن تقدمني لها ۰۰ و ۰۰
وعرفتها..
وفي أول لقاء ، لم أستطع أن أنتظر أكثر مما انتظرت ، فدعوتها لأن تجلس أمامي لأرسمها
وقبلت ..
قبلت فورا . لاشك أنها تؤمن بالفن
ولذلك قبلت بهذه السهولة ، وبهذه السرعة
وواعدتها على أن تأتي إلى منزلي الذي أقيم فيها مع عائلتي
إن معي إخوتي البنات وليس هناك غبار على هذه الدعوة .