د .حبيبة محمدي تكتب من الجزائر: المقاومة بالفن
الفنُ طاقةُ قوةٍ ومقاومةٍ وجمالٍ، لا نهاية لها.. الفن بكافة مجالاته: موسيقى، غناء، مسرح، شعر، رواية، رقص وتمثيل... وغير ذلك من فنون الإبداع ومجالاته الكثيرة والمتعددة.
ومن أهم المفكرين الذين كتبوا عن الفن وقدموا نظرياتٍ فلسفيةً عنه، الفيلسوف الألمانى الأشهر «فريدريك نيتشه»، الذى تمثّلَ الفنَ بوصفه مظهرًا لإرادة القوة، وهو الذى تقوم فلسفته على مقومات ثلاثة، هى: إرادة القوة، الإنسان الأعلى، والعود الأبدى.
نيتشه (1900- 1844)، الفيلسوف الأهمّ فى تاريخ الفكر الحديث وفى الفلسفة الغربية المعاصرة، بل فى الإنسانية، وقد مرت ذكرى وفاته منذ أيام، «25 أغسطس»، نيتشه فيلسوف الإرادة والقوة والحرية، والمُبشِّر بالتأكيد المرح للحياة، وبالإنسان الأفضل والأعلى، وبالحياة الأجمل.. فيلسوف الحقيقة الذى واجه الحياة رغم أخطارها بكلِّ قوة وجرأة ووثبة.
وقد قال:
«منذ القدم والبشر لا يُعاقِبون إلا مَنْ يقول الحقيقة، إذا أردتَ البقاء مع النّاس شاركهم أوهامهم، الحقيقة يقولها مَنْ يرغبون فى الرحيل».
فى كتابى: «نيتشه: شهوةُ الحكمة، جنون الشِّعر»، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة، كتبتُ عن نيتشه الفيلسوف والفنان، عن حياته بين الأدب والفن والفكر، بين الفلسفة والشِّعر، وهو الذى رأى فى الفن نوعًا من المقاومة، ومظهرًا لإرادة القوة.
«نيتشه» ينظر إلى العالم من وجهة نظر فنية، وهى فى الغالب رؤية تعود إلى النظرة «الديونيزوسية» إلى الحياة، (نسبةً إلى الإله ديونيزوس، إله الخصب والمرح والرقص والتلقائية وكل طقوس الابتهاج بالحياة فى الحضارة اليونانية)، وذلك لأنَّه يرى أنَّ محور وجود العالم هو الفن، غير أنَّ نيتشه لا يُنكر العقل فى مجمله، لكنه دعا إلى تأسيسِ نوعٍ جديدٍ من العقل، عقل فنّى، عقل يخدم الحياة ولا يُعوِّقها، عقل يكون مفعمًا بالحياة، عقل يُمجِّد النظرة الديونيزوسية للحياة، أى أنه يحتفظ بالطبيعة التلقائية فى صورتها الأولى بعيدًا عن العقل الخالص بجموده، العقل عند نيتشه يُقبل على الحياة ويُضفى المعنى الإنسانى على العالَم.
كان متسقًا مع نفسه وفلسفته، فالعقل بالنسبة له إذا وقف ضد جريان الحياة يصبح مُعوِّقًا للإنسان، لأنَّه يمنعه من إطلاق قواه الحيوية فى العالم المتمثلة فى الفنون الإبداعية المختلفة، وعلى رأسها الشِّعر.
أشير فى الأخير إلى أنَّ مقالًا فلسفيًا يختلف بالتأكيد عن مقالٍ فى عمود صحفى، حيث لا يتسع المجال للتحليل الفلسفى المستفيض، فمَنْ أراد الاستزادة فى هذا الموضوع، عليه- فضلًا وليس أمرًا- الرجوع إلى كتابى سالف الذكر عن «نيتشه»، والمتوافر بمكتبات الهيئة المصرية العامة للكِتاب بمصر الحبيبة.