«كورونا ضيف وهيروح لحاله».. المصريون يأكلون لحوم البشر كارثة تاريخية أشد ”فتكًا“
يغفل الانسان المصرى عن أشد الأمراض فتكًا بالمحروسة، ولكن لا يغفل التاريخ عن تدوين ذلك اللعين، الذى أثبت أن فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" مجرد محنة ستنتهي في وقت قريب، لذلك يُعيد "أنا حوا" التاريخ إلى عصر «المجاعة» في مصر، لارساء نوعًا من الطمأنينة فى نفوس المواطنين لأن مصر استطاعت أن تتخطى ما هو أصعب من الفيروس اللعين.
فرضت الشدة المستنصرية نفسها بقوة على كتب التاريخ المصرية في أظلم صفحاتها؛ إذ ضربت البلاد مجاعة نتيجة غياب مياه النيل لـ7 سنوات متواصلة عرفت بـ«العجاف»، أثناء حكم الخليفة الفاطمي المستنصر بالله في مستهل النصف الثاني من القرن الخامس الهجري من تاريخ الدولة الفاطمية في مصر (1036 - 1094 ميلادية).
«المقريزي» وعدد غير محدود من المؤرخين العرب والمصري، قدموا صورة «بشعة» للشدة المستنصرية، والتي وقف خلفها انتشار وباء في مصر تزامن مع جفاف بنهر النيل، ترتب عليه كسادا زراعيا وصناعيا وتجاريا، وعانى الشعب من أزمة مالية شديدة.
اقرأ أيضاً
في تلك الأزمة تعرضت مصر للكثير من التغييرات الوزارية، منها مثلا تغيير 30 وزيرًا متتاليين في 3 سنوات فقط، وعانى الشعب من فقر شديد وجوع، لدرجة أن فئة «آكلي لحوم البشر» ظهرت في العصر الفاطمي، قبل أن تخرج على الشاشات في القرن العشرين.
في وقت الشدة المستنصرية انتشر اللصوص لكن لم يكونوا يسرقون المنازل بل «البشر»!!.. وتخصص مجموعة من حوالي 10 أشخاص في اصطياد كبار السن، خاصة من الشوارع عن طريق «خطاف» و«سنارة» ليتم سحب الفريسة به ويختفي ولا يعثر أهله عليه نهائيًا.
آنذاك، ضاق الحال بالحاكم المستنصر بالله وتملك منه اليأس فلم يستطع مواجهة المجاعة والوباء أو حتى القبض على المجموعة المتهمة بأكل لحوم البشر إلا أن أحد القضاة تمكن من التوصل لتلك المجموعة التي تصطاد البشر من الشوارع وتسلخ لحمهم وتأكله وتبيعه وقبض عليهم وحكم عليهم بالإعدام.
أثناء سير موكب الحاكم عقب إعدامهم في طريقه للمدافن كان يعترضهم المارة مطالبين بعدم دفنهم وتسليم جثامينهم للشعب لأكلهم مثلما كانوا يفعلون.
لم يجد الخليفة الفاطمي بدا وقتها من الاستعانة ببدر الدين الجمالي المملوك الأرمنلى الذي اشتراه جمال الدولة بن عمار وهو طفل وترقى في الخدمة حتى ولاه الخليفة الفاطمي المستنصر بالله إمارة دمشق، وبالفعل لبى الدعوة ودخل مصر بجنوده ليخوض معركة الاستقرار بتقليل الضرائب حتى أطلق المصريون اسمه على أحد أبرز أحياء القاهرة القديمة «الجمالية».
ويروي المقريزي عن بدر الدين الجمالي فيقول: «فلما كاتبه المستنصر، ودخل إلى القاهرة، تحكم في بلاد مصر تحكم الملوك، ولم يبق للمستنصر من أمر، وألقى إليه مقاليد مملكته، وسلم إليه أمور خلافته، فضبطها أحسن ضبط فاشتدت مهابته في قلوب الخاصة والعامة، وخاف سطوته كل جليل وكبير، لعظم بأسه وكثرة بطشه، وقتله من الخلائق ما لا يمكن ضبطهم، والذين كانوا قد تمرنوا على الفساد، ونشأوا في الفتن واعتادوا مضرة الخلق، فصلحت الديار المصرية بعد فسادها، وعمرت بعد خرابها».
وعندما تولي بدر الدين الجمالي زمام الأمور في مصر قام بإلغاء الضرائب على الزراعة والصناعة والتجارة مما نتج عنه أن الشعب بدأ يشعر بالأمان، وبما أنه دخل مصر بجنوده فلم يكن هناك مجال لرشاوى لو استثناءات أو محسوبيات فكان بدر يميز جنوده ويغرقهم بامتيازات عديدة تجعل من الصعب شراءهم أو إغراءهم.
وبالرجوع للشدة المستنصرية فروى المؤرخون حوادث قاسية، فلقد تصحرت الأرض وهلك الحرث والنسل وخطف الخبز من على رؤوس الخبازين وأكل الناس القطط والكلاب وجاع الخليفة نفسه حتى أنه باع ما على مقابر آبائه من رخام وتصدقت عليه ابنة أحد علماء زمانه وخرجت النساء جياع صوب بغداد، وذكر ابن إلياس أن الناس أكلت الميتة وأخذوا في أكل الأحياء وصنعت الخطاطيف والكلاليب لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح وتراجع سكان مصر لأقل معدل في تاريخها.
لكن الأزمة الحقيقة أن حكم الخليفة المستنصر امتد لـ60 عاما، حتى أن العالم الشهير الحسن بن الهيثم زار مصر في عصر الدولة الفاطمية وأشار عليهم ببناء سد عالي على النيل إلا أن مشروعه رفض من الخلافة فكانت النتيجة ما حدث من شدة وظلت الفكرة حبيسة حتى كتب لها التنفيذ في ستينات القرن العشرين ببناء السد العالي الذي وقى مصر خطر السنين العجاف التي غالبا ما كانت تستمر بالسبع سنين.
ويُشار إلى أن محمد علي بعد خروج الحملة الفرنسية كانت مصر أمامه ليحكمها منذ ١٨٠٣ م إلا أنه رفض الولاية ومنسوب الفيضان منخفض ولم يقبل إلا بعد انتهاء الأزمة التي حسبت على خورشيد باشا الوالي العثماني.