محمد الغيطى يكتب.. «صادق الصباح نموذجًا»
عبر أكثر من ربع قرن تعاملت مع منتجين وشركات انتاج في مصر والعالم العربي من كل الأجيال، عانيت مع بعضهم وأكبرت واحترمت وعشقت بعضهم ولدي الأسباب التي يلمسها ويعرفها كل من احترف الفن والدراما سواء ككاتب مثلي أو أية مهنة أخرى داخل الصناعة، اختلفت مع المنتج الذي لم يحترم نفسه ودخل المهنة كسبوبة أو لغرض في نفس يعقوب أو مصلحة شهوانية يرضي بها غريزته أو من أجل الشهرة وجوار المشاهير أو من أجل المكسب فقط وهذا الهدف شرعي جدًا لأنه ليس المطلوب أن يخسر المنتج وإلا لن يستمر واستمرار المنتج ليس مفيدًا له فقط ولكنه مفيد للمهنة ككل فهو يضخ رأسمال في عشرات المهن والحرف المرتبطة بالانتاج من أول عامل البوفيه وحتى أكبر نجم وممثل ومخرج وكاتب مرورًا ببحار الأستديوهات والسيارات والكاميرات والعمالة الأسبوعية والكومبارس وجميع العاملين من البشر الذين يفتحون بيوتهم من رأسمال المنتج وعندما يكون ميزانية المسلسل أو الفيلم ملايين الجنيهات فهذا معناه آلاف العاملين الذين يفتحون بيوتهم من هذه الصناعة التي قدر المستفيدين منها في مصر بالتقريب حوالي خمسة ملايين فرد يعني خمسة ملايين أسرة لذلك عندما تقلص الإنتاج خلال الأعوام الماضية، وسيطرت شلة معينة واحتكرت الانتاج وجعلت مدير انتاج واحد بشلته كمثال والمرتبطين به يعملون في عشرة أعمال والممثل شرحه وجلس الآلاف في منازلهم يعانون البطالة وشظف العيش وأغلقت شركات انتاج كبيرة وقديمة مثل كينج توت وفوزي وصيام ومصطفى عبد العزيز وصفوت غطاس ومحي زايد وشاهيناز صيام وغيرهم، وكان كل منهم ينتج عملين وثلاثة في العام ورحل كثيرون مثل مطيع زايد وهشام اسماعيل والرائد العظيم اسماعيل كتكت الذي افتقده شخصيًا وهو وحده قدم ربع الانتاج الدرامي الخاص في الوطن العربي وللأسف فشل ورثته في ادارة شركة فرح وأغلقت، أقول هذا وأنا أمامي نموذجًا يذكرني بالعظام من الراحلين وهو صادق الصباح أطال الله عمره واعترف انني منحاز له لانه يقدم وصفة المنتج الفنان المثقف صاحب الصنعة المخضرم والرائد في مجاله وهو يذكرني برمسيس نجيب في تاريخ السينما والذي يضرب به المثل عندما نفتقد المثال في الانتاج الفني، شركة الصباح موجودة منذ حوالي أربعين عامًا وكانوا يممن أن تندثر وتتلاشى مثل كثير من شركات الانتاج لكن ذكاء "صادق" أنه كان يواكب كل جديد في الانتاج ويكاد يكون المنتح العربي الوحيد الذي يذهب لمعارض التقنيات الحديثة في الصناعة الفنية في كل عواصم العالم، ويستعين بأكثر العناصر البشرية خبرة وموهبة ولايبخل على الصورة فاذا تطلب المشهد سفينة فضاء أو يخت يوفرها أو السفر لاية بقعة في أي بلد لا يتأخر، وهو أول من جعل ممثلي العالم العربي يشاركون معًا، في عمل واحد فخلق سوقًا للتنوع ونقل المجتمعات العربية للشاشة، ناهيك عن كل ذلك ونأتي لنقطة تهم كل عامل وهي مستحقاته المالية فمن المعروف أن كثير من المنتجين للأسف يتلكأون في دفع الدفعات الأخيرة، وبعضهم يستبيحها بالحرام عيني عينك لكني لم اسمع ان ممثلًا أو عاملًا اشتكى أن الصباح يأكل مستحقاته بالعكس أحيانًا كثيرة يوفرها قبل نهاية العمل وعلى الأقل في أخر يوم تصوير بل ان قصص عديدة سمعتها من أصدقاء عن المساعدات الانسانية للمرضى أو كبار السن في الوسط الفني ولا يحب صادق أن يذكرها ويعتبرها من تقاليد المهنة التي ورثها عن الكبار الكرام، وليس ببعيد قصة يوسف شعبان الي اشتكى قبل رحيله انه لا يعمل فأرسل له "صادق" تذكرة سفر وطلب من المخرج أن يمنحه دورًا وعامله بما يستحق رحمه الله، وموخرًا وبذكاء شديد تابع صادق معاناة حورية فرغلي وانه لم يعد يستعين بها أحد وهي نجمة تعرضت لأزمات صحية فارسل لها سيناريو مسلسل وتعاقد معها، انه سلوك الكبار في الشيم واخلاق المهنة التي افتقدناها بسبب الشللية وفساد العلاقات لكل ذلك أنا كنت في منتهى السعادة عندما عرفت من صديقي المنتج الكبير كامل أبو علي مشاركته للمنتج صادق الصباح في فيلم جديد واعتبرتها بشرة خير ليعود "الصباح" لفتح مكتبه بمصر لأنه كان وسيظل قنديلًا كبيرًا يضئ سماء الفن المصري وليس من مصلحة وطني اطفاء هذا القنديل أو طمسه، مرحبًا بالصباح وعود على بدء يا كبير.