منى نشأت تكتب.. «حاسب من الحاوى»
كان يمر أمام بيتنا بحى شبرا الحبيب، حاوى يصدر أصواتا وجلبه فنجرى صغارًا للبلكونات نتعلق بحافتها لنتابع ونضحك ونلقى بعمله معدنية من أعلى فيلتقطها شاكرًا راضيًا، كانت أمى تمسك بى وبأخوتى حتى لا نقع ولها جمله لا أنساها، رأسك أثقل من جسمك، لا تلقى بها لأسفل، ساعات سعيدة نقضيها مع الحاوى والعابة التى نحب.
كبرنا واختفى الحاوى من الشارع وظهر على الشاشة بعد أن تخلى عن صفته الأصلية ووصفه وارتدى ثوب فن واطلقوا عليه دون وجه حق لقب فنانوفارق رهيب بين فنان ومشخصاتى كما هو بين ممثل وبهلوان. ولا علاقة لشهر الصيام بالبهاليل لكنهم خلاله يتكاثرون ويفقسون على الشاشة نتاج أفعال بذيئة كذباب يضع نقاطه السوداء على زجاج نظيف، يستغلون فرصة تجمع بعض الأسر أمام الشاشه فيقدمون مايفسد لمتهم الحلوة، بألفاظ ليست حلوة ولا مقبولة، يسمع أطفالنا سب الأب والأم وإهانة الزوجه بأحقر الكلمات. ويرسخون فى الذهن عادات دخيلة ونماذج يكررونها عمدًا لدرجة تظن معها انها طبيعية، فالزوج خائن بالضرورة، والخيانه مع ساقطه أمتع من السكون لزوجة، والمخدرات أجمل مايضيف لقعدة شباب والمرأه اللعوب مطلوبة، والثرى يشترى الكل بماله وتشتهيه النساء والعوده للبيت نكد والخروج منه انطلاق. * غير شكلناإنه ما يحدث غالبًا فى الدراما، وتؤكده برامج السفه والسفهاء المدعمه بالملايين، وكلما تمايل الضيف ورقص عشرة بلدى صفقت المذيعة وجمهور استأجروه، فى الاستوديو والكل لم يعد شكلنا الخدود منفوخه مرفوعة لدرجة ضاقت معها العيون والوجوه التى أبدع فيها الخالق تحولت الى مسخ، يلقون علينا برجل جمع شعره للخلف فيما نسمى ذيل حصان، وفى كل مسلسل تقريبًا يظهر واحد منهم. فى أوروبا رأيت الاعلانات عن المصيف تحمل صورة زوج وزوجه وبينهما طفل يلعب على الرمال، يحاولون الوصول لمعنى الأسرة واعلاناتنا عن المنتجعات للشله بنات وأولاد، والأخطر وما افزعنى اعلانا كان لقدم رجل وبجانبه امرأة يجريان معا للبحر، وصارا فى الاعلان الجديد اثنان من الرجال، ومع تكرار العرض يحدث التغيير تدريجيًا للأسوأ والأفظع. ونعود إلى حاوى زمان، وكان يضع فى فمه الجاز ويقرب منه الكبريت فتخرج النيران، وكل اللعبه تحدث منه هو فهو المتعرض للخطر أما الأن فهو يحيط من حوله بالاهوال ويتفرج من بعيد. وكله مصطنع بالطبع لكنه يعكس الفكر الحالى وما كان. كانت الأم تمسك بصغارها فى الشارع ليبتعدوا بمسافه عن حاوى فى وسط دائرة والكل بعيد، والأن دخل الى قلب البيت يخترق العقول دون حماية، وحين بدأت حكاية الحاوى تحمل المخاطر، وسمعنا قصصًا عن خطف الاطفال، ومن تاه حين سار يتبعه، اندثرت الشغلانه ولم تعد وتحول الأمر الى خطف عقول صغار وكبار، وعمليات غسيل مخ مقننه تحت بند التسلية والمتعة. وأتذكر كلمة أمى رحمها الله، ونحن نلقى بأنفسنا من النافذة، احترس رأسك اثقل من جسمك، فمن رأسك تتحرك كل أعضاءك "حاسب عليها منهم". وأيضًا..https://www.facebook.com/anahwa2019