محمد الغيطي يكتب.. رد الاعتبار لأم المؤمنين مارية القبطية ابنة النيل
فوجئت بكلام غريب يتردد في بعض البرامج الدينية التي يقدمها وهابيون وسلفيون يتفنون في إثارة مواقع الخلاف والاختلاف ببن المسلمين ومضمونه أن السيدة مارية القبطية ام المؤمنين مجرد محظية أو جارية للرسول الكريم وطبعاً بعض من يردد هذا الكلام يتعمد التقليل من أثر المصريين وحضارتهم على الجزيرة العربية وفقر تاريخها وطبيعة سلالاتها الفظة حسب وصف القرآن.
مارية القبطية المصرية ابنة النيل ولدت في صعيد مصر قرية صفن وكانت وشقيقتها سيرين من اقرب الجواري لقلب ملك مصر المقوقس وقيل إنهما جمعتا بين الجمال الباهر وثقافة اللسان ومعرفة العلوم واللغات، وقد أشرفتا على جناح الحريم والجواري بقصر الحكم وكان المقوقس يطلب مارية وأختها أكثر من مرة في اليوم الواحد ليسمع لهما وينصت، عندما استتب أمر الإسلام وأراد الرسول أن ينشر الرسالة للعالم بعث لملوك ورؤساء وزعماء العالم رسالته مع رسوله حاطب بن أبي بلتعة يقول فيها: بِسْم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبدالله الى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني ادعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإنما عليك اثم القبط جميعاً، ياأهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولانشرك به شيئاً ولايتخذ بَعضُنَا لبعض أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون. قرأ المقوقس الرسالة ووضعها بجواره ثم سأل حاملها أن يصف له الرسول وأخذ يعد صفاته والمقوقس يكملها له وكأنه يعرفه ثم قال له لقد قرأت عنه في كتب الأقدمين وكنت اعلم ان نبيا قد بقى وكنت أظن أنه سيخرج من الشام وإني أراه قد خرج من ارض العرب، ثم قال ولكن القبط لن تطاوعني وأن أضمن ملكي أن أفارقه ثم كتب رداً على الرسالة المحمدية يقول قرأت كتابك وفهمت ماذكره وقد علمت أن نبياً قد بقى وكنت أظن أنه خرج من الشام وقد أكرمت رسولك وبعثت لك بجاريتين لهما في القبط مكان عظيم ومطية لتركبها والسلام عليك.. استقبل النبي رسالة المقوقس بصدر رحب عكس ردود الممالك الأخرى واختار لنفسه مارية ووهب الأخرى وهي سيرين شقيقتها للشاعر حسان بن ثابت وهنا سرت الغيرة في صدور بعض زوجات النبي وكان النبي يعالج مثل هذه المواقف بحنكته وسياسته ويذكر المؤرخون أن مارية عندما ذهبت لمنازل الجزيرة حطت في بيوت الجواري طلبت أن تغتسل من وعثاء وغبار السفر وأرادت أن تقضي حاجتها وأشاروا لها إلى مكان خلاء لقضاء الحاجة فاستشعرت بالوحشة واستغربت وسالت عن الحمام المعروف عند الفراعنة وشرحت لهن قصدها بأنه مكان ملحق بالمنزل وليس بعيداً عنه وفيه الماء الساخن وأدوات الزينة والتجميل خصوصاً للنساء والمدهش أن الجواري تناقلن كلامها لسيدات وزوجات النبي وأن حفصة ابنة عمر طلبت منها أن تشرح لها كيف هو الحمام الفرعوني وبالفعل أخذت كلامها وشيدت حماماً وسرعان ماتناقلن قصص الحمام الفرعوني المصري الى بقية المنازل، واقتربت مارية من قلب النبي خصوصا بعد أن أنجبت له ولده إبراهيم الذي شب حتى بلغ عامين وكان جوهرة عين أبيه حتى مرض مرضاً شديداً وكانت أمه وخالته سيرين يقومان على تمريضه وكان الرسول يراه يتألم فيقول، أنا ياإبراهيم لا أغني عنك من الله شيئا، وسلم إبراهيم الروح وينحني الرسول يقبله ويقول وعيناه تدمع، إن العين لتدمع والقلب ليحزن ولا نقول إلا مايرضي الرب، وأنا ياإبراهيم لفراقك لمحزونون وإنا لله وإنا اليه راجعون، ويودع الرسول ولده في القبر ويعود مع المشيعين ليجدوا الشمس قد خسفت فيقولون حدث هذا لموت إبراهيم فيقول الرسول إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لاتخسفان لموت أحد أو لحياته، وعاش النبي كلما ذكر ولده تدمع عينه وأكرم أمه مارية القبطية المصرية التي عاشت بعده صلى الله عليه وسلم خمس سنوات وكان عمر الفاروق يضعها في مكانة خاصة بين نساء النبي وكان يسترشد برأيها ويسمع لها وكثيرا ما أعلن تكريمه لها أمام الجميع وقد أكرم ذكرها القرآن في سورة التحريم وليكتب عنها المفسرون والمؤرخون إنها ابنة النيل وصعيد مصر التي أهداها المقوقس للتباهي وكانت من اقرب الجواري لنفسه وكأنها الاقدار تترك مصر الى الجزيرة العربية لتكون فصلا مهما في الدراما الاسلامية والارادة الربانية والسيرة النبوية، ومنذ أيام قرأت للاستاذ أحمدعبدالكريم باليوم السابع قائلاً: ما إن تفتح كتاب «رسالة مصر» للمفكر حسين مؤنس حتى تفاجأ بتساؤله الحسير عن سر إصرار الفقهاء على اعتبار أم المؤمنين المصرية السيدة مارية القبطية «جارية» للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وليست زوجة له، وهو الأمر الذى ينقل الحسرة لنا نحن المصريين. واختلفت المصادر التراثية فيما بينها، حول عدد وأسماء أمهات المسلمين، فعدهن الإمام الطبرى بـ12، وهن على حسب الترتيب «السيدة خديجة بنت خويلد وسودة بنت قيس وعائشة بنت أبى بكر وحفصة بنت عمر، وزينب بنت زمعة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث وأم حبيبة بنت أبى سفيان، وصفية بنت حيى بن الأخطب، وميمونة بنت الحارث، وريحانة بنت زيد النضرية»، وأسقط السيدة «مارية» من زوجات الرسول، وهو ما تكرر فى «البداية والنهاية» و«زاد المعاد» وفى أغلب كتب التراث، وهو الأمر الذى يدعونا للبحث عن أسباب إسقاط أم المؤمنين «مارية» من مدونة أسماء زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، واعتبارها جارية وأمة ومحظية. هنا نفتح هذا الملف.. ونبحث حقيقة وضع أم المؤمنين «مارية القبطية»، معتمدين على 3 من الكتب العمدة فى التراث الإسلامى، وهى «السمط الثمين فى مناقب أمهات المؤمنين» للطبرى، و«زاد المعاد» لابن القيم، و«البداية والنهاية» لابن كثير. قصة السيدة مارى بنت شمعون ولدت السيدة «مارى» فى بلدة «حفن» أو الشيخ عبادة حاليا بمركز ملوى محافظة المنيا، وسلبها المقوقس فترة اضطهاد اليونان هى وأختها سيرين وخادمهما «مابوا» من أهلها الذين كانوا من أعيان المصريين، وأشار المقوقس إلى مكانتهما الاجتماعية فى رسالته للرسول صلى الله عليه وسلم، بقوله «لهما مكان فى القبط عظيم»، بعد أن أرسلهما فى وفادة سياسية للرسول مهادنا قوته الناشئة، حيث كانت مصر تعانى أوضاعا بالغة السوء سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. ولن يضرنا القول بأن «مارية» جاءت أول ما جاءت للرسول «هدية» أو «جارية» للرسول، ذلك أن هذه الصفة كانت محققة مع «مالكها» الأول، وفور وصول السيدة الشريفة أنزلها الرسول فى ضيافة حارثة بن النعمان الأنصارى، فكانت بجوار السيدة عائشة، وكان النبى «يقضى معظم الليل والنهار عندها»، فحزنت لذلك السيدة عائشة، ثم امتد ذلك لأمهات المؤمنين، وتقول السيدة عائشة طبقا للطبرى: «فذعنا لها فجزعت»، أى أن الطبيعة البشرية غلبت أمهات المؤمنين فانزعجت فحولها النبى إلى العالية بضواحى المدينة، وكان يذهب إليها هناك، وبعد سنة تقريبًا أنجبت مارية للنبى ابنه إبراهيم. وتحدثنا المصادر كالطبرى وابن كثير وابن القيم عن القسط الوافر من المحبة والتكريم الذى أحاط الرسول به «مارية»، فكانت محط هواه حتى قالت السيدة عائشة «ما غرت على امرأة ما غرت على مارية ذلك أنها كانت جميلة من النساء، دعجة فأعجب بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عامة النهار والليل عندها». وتقول أيضاً «عائشة» حسبما نقل الطبرى «وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، معجبًا بأم إبراهيم، وكانت بيضاء جميلة فأنزلها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فى العالية التى يقال لها اليوم مشربة أم إبراهيم، وكان رسول الله يختلف إليها هناك»، وقد لاحظ أهل المدينة وأصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حبه للمصرية مارية فـأحب الأنصار أن يفرغوها للرسول، دون أن تنشغل بابنها «لما يعلمون من هواه فيها»، وقد أسلمت حتى وصفت فى طبقات ابن سعد بأنها «حسنة الدين». لكن ما أن هلّ ربيع الأول من العام التالى لوفاة إبراهيم عليه السلام، حتى توفى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو راض عنها، وعاشت السيدة مارية بعده خمس سنوات «غريبة»، حتى ماتت فى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذى كان يحشد الناس لجنازتها ثم صلى عليها ودفنت بالبقيع، وذلك فى السنة السادسة عشرة من محرم، إلى جانب نساء أهل البيت النبوى، وإلى جانب ابنها إبراهيم. وأيضًا..https://www.facebook.com/anahwa2019