خولة بنت ثعلبة، المرأة التي سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات


في صفحات التاريخ الإسلامي، تبرز أسماء نساء خُلِّد ذكرهن في القرآن الكريم، وكانت خولة بنت ثعلبة واحدة من هؤلاء، فقد أنزل الله فيها وحيًا سماويًا بعدما سمع شكواها واستجاب لدعائها، فكانت سببًا في وضع حكم شرعي هام يتعلق بحقوق النساء في الإسلام.
قصة المرأة التي أنصفها الوحي
كانت خولة بنت ثعلبة متزوجة من أوس بن الصامت، أحد رجال الأنصار، وذات يوم نشب خلاف بينهما، فغضب منها زوجها وقال لها: "أنتِ عليَّ كظهر أمي"، وهو ما كان يُعرف في الجاهلية بـ "الظهار"، وكان يُعدّ أشد أنواع الطلاق، مما يعني تحريمها عليه دون أن تكون طليقته رسميًا.
شعرت خولة بالظلم الشديد وقررت اللجوء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لطلب الحل، لكنه عليه الصلاة والسلام أخبرها بأنه لا يملك حكمًا بشأن قضيتها، فألحت في مناقشته، لكنه أبلغها أن زوجها قد حُرِّمَ عليها، عندها، لم تجد ملجأً سوى الله سبحانه وتعالى، فرفعت يديها إلى السماء واشتكت حزنها ومعاناتها.
وفي تلك اللحظة، جاء الوحي الإلهي استجابةً لدعائها، حيث نزلت الآية الكريمة: "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ" (المجادلة: 1).
موقف أم المؤمنين عائشة
روت السيدة عائشة رضي الله عنها هذه الواقعة قائلة: "تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى عليّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقول: يا رسول الله، أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل جبريل بالآيات".
حكم شرعي عادل لصون حقوق النساء
لم تكن قضية خولة بنت ثعلبة مجرد موقف شخصي، بل كانت بداية لتشريع إسلامي ينصف النساء من الظلم، حيث بيّن الله سبحانه وتعالى أن الظهار ليس طلاقًا، لكنه قول محرم يستوجب على الزوج الكفارة قبل أن يعود لزوجته، مما ضمن حقوق المرأة ووضع حدًا للعادات الجاهلية التي كانت تهضم حقوقها.
خولة بنت ثعلبة لم تكن مجرد امرأة عادية، بل كانت صوتًا للحق والعدل، وصارت قصتها نموذجًا لكل من تواجه ظلمًا، بأن تلجأ إلى الله بثقة ويقين، فالله يسمع ويرى وينصف المظلومين.