السبت 1 مارس 2025 12:11 صـ 29 شعبان 1446هـ
أنا حوا

رئيس التحرير محمد الغيطي

المدير العام منى باروما

يحدث الآن
بقلم آدم وحوا

السيناريست عماد النشار يكتب: شَهْرُ الفَرَحَةِ، فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا

السيناريست عماد النشار
السيناريست عماد النشار

﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا۟ ۖ هُوَ خَيْرٌۭ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (يونس: 58)

مع أول هلالٍ يضيء ليالي رمضان، تتبدل الأجواء، وكأن الأرواح تتحرر من أثقال الدنيا، تسعى إلى نورٍ لطالما افتقدته. ليس الفرح في رمضان مأدبةً عامرةً أو زينةً براقةً، بل الفرح الحقيقي هو في فضل الله ورحمته، في هذا النور الذي يملأ القلوب مع كل آية تُتلى، ومع كل لحظة صفاء بين العبد وكلام ربه.

في الأزقة العتيقة، تُشعل المصاحف نورًا في البيوت، وتتهادى أصوات التلاوة بين النوافذ، تُنير القلوب قبل الجدران. هناك شيخٌ مسنٌّ يمسك بمصحفه، يقرأ بخشوعٍ، وقد غلبته الدموع، وهناك طفلٌ صغير يحاول ترديد سورة قصيرة، بينما تحفّه همسات والدته كنسيم السحر، مشجعةً إياه بحنوٍّ، فيتعثر مرةً ويصيب مرةً أخرى، لكن صوته الصغير يملأ المكان ببراءة اليقين.

إنها ليالي رمضان، حيث يُصبح القرآن جزءًا من نبض الحياة، وكأنه ماءٌ يتغلغل في الأعماق، فيروي أرواحًا ظمأى لم تعرف معنى السكينة إلا بين كلماته.
السلف الصالح والقرآن في رمضان.. سيرة عشق لا تنتهي
لم يكن القرآن عند السلف الصالح مجرد كتابٍ يُتلى، بل كان حياةً تتنفس في صدورهم، ونورًا لا يفارق دروبهم. كانوا يدركون أن القرآن هو الشرف الحقيقي، كما قال الله تعالى:

﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَٰبًۭا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (الأنبياء: 10)

كان الإمام مالك، إذا أقبل رمضان، يغلق كتبه، ويطوي مجالس الحديث، ليعيش مع القرآن وحده، كأنما لا شيء في الدنيا يستحق أن يزاحم هذه اللحظات النورانية. لم يكن يرى في العلم نفسه ما يعلو على تلاوة آيات الله في هذا الشهر الكريم.

أما الإمام الشافعي، فكان رمضان عنده موسمًا استثنائيًا، يختم فيه القرآن ستين مرة، يتلوه وكأن أنفاسه قد خُلقت له، لا يمل ولا يكل، وكأن بينه وبين كل آية حوارًا خفيًا لا يسمعه سواه.

وكان الإمام البخاري يختمه نهارًا، ثم يصلي بالناس ليلًا، يكسو أرواحهم ثوب النور في كل سجدة، وكأن صوته الممتلئ باليقين يربط القلوب بمعاني الوحي.

سفيان الثوري، ذلك الزاهد الذي عشق القرآن، كان إذا دخل رمضان، ترك كل شيءٍ، وأغلق بابه على المصحف، يقرأ ويبكي، يقرأ ويسافر بين المعاني، كأنما لا شيء في الوجود يستحق أن يصرفه عن هذا الوحي السماوي.

وكان الزهري يقول: "إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام"، وكأنه لخص رمضان في أمرين: غذاء الروح بكلام الله، وغذاء الجسد لمن أنهكته الحاجة.

وعندما ننظر إلى هؤلاء العظام، ندرك كيف كانت حياتهم تدور حول كتاب الله، ليس مجرد تلاوة، بل تفاعلًا حقيقيًا مع كل كلمة، وكأن آياته تنبض في قلوبهم، فتمنحهم حياةً فوق الحياة.

حين يتجلى النور في ليالي رمضان

في زاويةٍ هادئة من الليل الرمضاني، جلس رجل متكئًا على وسادةٍ قديمة، بين يديه مصحفٌ، وعيناه تذرفان دموعًا خاشعة. كان المكان ساكنًا إلا من صوت أنفاسه المتقطعة وهمسات آياتٍ تتردد بين شفتيه. يقرأ بتدبرٍ، كأنما يسمع الكلمات لأول مرة، وكأنها تُلقى عليه من وراء حجاب، فتتسلل إلى روحه قبل أن تبلغ سمعه.

يمر على قوله تعالى:
﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ﴾ (البقرة: 185)
فيغوص في تفكير عميق، كأنما يحاول فك شفرة زمنية ممتدة عبر القرون:
لماذا اختير رمضان ليكون زمن النزول الأول؟ أيُّ سرٍّ جعل هذا الشهر وعاءً للنور الإلهي؟ هل لأن القلوب في جوعها تتوق إلى الحقيقة؟ أم لأن الليل فيه أطول، فتكون النفس أكثر صفاءً لاستقبال كلمات السماء؟ هل لأن الصيام يكسر قيود الجسد، فترتقي الروح وتحلق في عوالم أبعد، حيث يتردد صدى الوحي في أعماق القلب؟

تأخذه التأملات بعيدًا، لكنه يعود ليجد الجواب يتجلى في حديث النبي ﷺ:
"كان جبريل يدارس النبي ﷺ القرآن في كل ليلة من رمضان."

يغمض الرجل عينيه قليلًا، يحاول أن يتخيل المشهد... النبي ﷺ في تلك الليالي المباركة، وجبريل عليه السلام إلى جانبه، يتلو آيات الله بخشوع، كأن الأرض بأسرها تستمع، والملائكة تحف بالمكان، والروح الأمين يفيض نورًا، فيشرق القلب النبوي بفهم جديد وإيمان متجدد. كيف كان وقع تلك اللحظات على سيد الخلق؟ كيف كان يستقبل كلمات الله التي تنزل كالغيث على قلوب عطشى؟

وفي غمرة تأملاته، تمر في ذهنه آيةٌ أخرى، كأنها تُخاطبه شخصيًا، كأنها تُقرأ عليه وحده:
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (محمد: 24)

شعر أن قلبه كان موصدًا بأقفال الغفلة، وأن آيات الله تدق على بابه منذ زمن، لكنه لم يكن يصغي... والآن، جاء رمضان بمفاتيحه، ففتح الأبواب، وسرى النور بين أضلعه، وكأن شعاعًا سماويًا تسلل إلى قلبه، يبدد ظلمة الغفلة، ليبقى النور دليلًا في لياليه القادمة.

كانت لقاءات الوحي في رمضان ليست مجرد مدارسة، بل كانت ولادةً جديدةً للمعنى، إشراقًا للنور في قلب النبي، وفي القلوب التي ستأتي بعده... واليوم، بعد قرون، في هذه الليلة الرمضانية، كان هناك قلبٌ آخر يتلقى النور من جديد، وكأنها لحظة وحي خاصة به.
القرآن.. أنيس القلوب وسراج الطريق

في ظلمة الليل، حين ينام العالم وتبقى الأرواح معلقة بين الرجاء والخوف، هناك من يضيء قلبه بنورٍ لا يخفت، يفتح المصحف بأنامل يملؤها الشوق، وعيناه تجريان بدمعٍ يعرف طريقه جيدًا. إنه القرآن، ذاك النور الذي لا يُطفأ، الرفيق الذي لا يخون، والسراج الذي لا ينطفئ حتى في أحلك اللحظات.

يقول النبي ﷺ: "اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه."
وما أعظمه من شفيع! شفيعٌ لا يُرد، وكلامٌ لا تبلى معانيه، ينقذ صاحبه يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، يوم تتطاير الصحف وتنكشف السرائر.

ليس ذلك فحسب، بل إن كل حرف يُتلى له أجر عظيم، كما قال النبي ﷺ: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف." فكيف بمن جعل القرآن رفيقه في ليالي رمضان، يتلوه في السحر، ويجعل دموعه تسابق كلماته؟ وكيف بمن جعله أنيسه في الخلوات، وبوصلة قلبه حين تضيع الخطى؟

وهنا يأتي الحديث الذي يفيض رحمة، حين قال النبي ﷺ: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران." أجران! نعم، أجر القراءة وأجر المجاهدة، لمن يجد في الحروف مشقة، لكنه لا يستسلم، بل يواصل، يتعثر فتنهضه الآيات، يتلكأ فتدفعه السور، حتى يصبح القرآن له روحًا وملجأ.

وكأن الله يمسح عن القلوب غبار الدنيا بهذه الآية العظيمة، فاتحًا بها سورةً هي كنزٌ للمؤمنين، حيث يقول سبحانه:
﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَٰبَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُۥ عِوَجًۭا ۜ﴾ (الكهف: 1)
كتابٌ مستقيم، لا اعوجاج فيه، هدايةٌ لا شك فيها، ونورٌ لمن أراد السير على طريق لا تضل خطاه.

يقول الله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ... يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ (فاطر: 29)
تجارة مع الله، بلا خسارة، بلا كساد، وإنما هي تجارة تربح الدنيا والآخرة، تجارة رأس مالها آيات، وربحها جنة عرضها السماوات والأرض.

وحين تتعب القلوب، وتثقلها الهموم، يأتي الوعد الرباني في قوله:
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ (الإسراء: 82)
شفاء للأرواح التي أثقلتها الخطايا، ودواء للقلوب التي أنهكتها الحياة، ورحمة تحيط بمن ألقى روحه بين دفتي المصحف، بحثًا عن السكينة واليقين.

وفي سورة القمر، تتكرر آية وكأنها تنادي كل قلبٍ بعيد، كل روحٍ تبحث عن ملجأ:
﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾
أربعة نداءات متكررة، كأنها رسالةٌ من السماء لكل قلبٍ معرض، لكل عينٍ لم تدمع بعد، لكل يدٍ لم تفتح المصحف بعد، ولكل عبدٍ لم يجد في القرآن سكينته بعد.
فهل من مدكر؟ هل من قلبٍ يطرق باب رمضان ليجد في آيات الله مأواه؟
رمضان يقترب، والقرآن ينتظر، فهل تكون من أهل النور؟

رمضانك هذا العام.. رمضان القرآن
وأنت تطوي صفحات هذا المقال، تذكّر أن رمضان فرصة قد لا تتكرر، فكيف تريد أن تترك أثره في قلبك؟ وكيف تودّ أن يذكرك رمضان بعد رحيله؟
اجعل القرآن رفيقك، لا مجرّد ضيف عابر، اجعله نور أيامك، وسكينة لياليك، وميثاقًا بينك وبين الله، أن يبقى حيًّا في قلبك، لا في رمضان فحسب، بل في كل لحظة من حياتك.
لا تؤجل النور إلى الغد، ولا تجعل الوعد أمنية، فالأبواب مفتوحة، والفرصة بين يديك.. فهل أنت مستعد لرمضان مختلف؟ رمضان يتجلى فيه القرآن.. في روحك، وقلبك، وحياتك كلها؟

السيناريست عماد النشار

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,520 شراء 3,543
عيار 22 بيع 3,227 شراء 3,248
عيار 21 بيع 3,080 شراء 3,100
عيار 18 بيع 2,640 شراء 2,657
الاونصة بيع 109,472 شراء 110,183
الجنيه الذهب بيع 24,640 شراء 24,800
الكيلو بيع 3,520,000 شراء 3,542,857
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

السبت 12:11 صـ
29 شعبان 1446 هـ 01 مارس 2025 م
مصر
الفجر 04:55
الشروق 06:21
الظهر 12:07
العصر 15:25
المغرب 17:54
العشاء 19:11