ابتهال عبد الوهاب تكتب: لو تحدثت الفلسفة
أنا حواان نسقط تلك الهالة من القدسية على النصوص والشخوص وان يكون العقل معيار ومرجعية لما يتم القبول به أو رفضه أو تجاوزه الزمن عالقون في الماضي، حتى الحاضر لا ندركه، نسقط عليه أحوال الماضي البعيد لأجل أن يتجلى بثياب الحاضر.
الماضي ليس إلها يعبد، بل مادة يمكن تشكيلها لنصنع منها المستقبل، وإن العقل هو الضوء الذي يكشف لنا الطريق، وأن التقديس الأعمى للأحداث والشخصيات يقيدنا في الزمان والمكان، فقط من خلال النقد والتجاوز، نجد القوة للتحرر من قيود الماضي ونصنع مستقبلنا الذي لم يولد بعد الفلسفة لا تخاطب إلا العقول التي لا تسجن في أساطير الماضي، هي دعوة لثورة فكرية، حيث لا يصبح التاريخ سجنا نلتجئ إليه، بل طينا نعيد تشكيله ونصنع به مستقبل يمكن لعقلنا أن يحلق فيه، وعلى عقولنا أن تكون سيفا يقطع كل الحبال التي تربطنا بزمن عفا عليه الحال، ونودع الماضي بما فيه الفلسفة تدعونا إلى تجاوز تقديس الماضي ونقده بشجاعة بدلا من تبريره، واعتماد العقل مرجعية لإعادة تشكيل الماضي وصناعة مستقبلنا.. الفلسفة تقول خذوا نصيبكم من الجرأة ولا تقبلوا التبرير وابحثوا دائمًا عن البرهان وفكروا جيدًا قبل الكلام.
الفلسفة تعلمنا أهمية التأني في إصدار الأحكام، وضرورة الانفتاح على الآراء المختلفة، وتقبل التنوع والتعددية، الفلسفة رحلة نحو الحكمة والتسامح، وبناء جسور الفهم والتعايش السلمي بين البشر، كي نبني وطنا وننهض به لابد من نقد الماضي وحل مشاكله اولا.
كانت الفلسفة في زمن سقراط حوارا مفتوحا في الساحات، تناقش قضايا العدالة والفضيلة والمعرفة والحياة الجيدة، وكان الناس يتفاعلون معها لأنها كانت جزءا من واقعهم، الآن تحدثهم عن الفن يحدثونك عن الجن، تحدثهم عن الإنفتاح يحدثونك عن النكاح، تحدثهم عن التفكير يحدثونك عن التكفير، تحدثهم عن التكنولوجيا والعلم يحدثونك عن تفسير الحلم، تحدثهم عن الحرية يحدثونك عن الحورية، تحدثهم عن العطور يحدثونك عن البخور، تحدثهم عن المشاعر يحدثونك عن المقابر، تحدثهم عن الحياة يحدثونك عن الموت.
هكذا غابت الفلسفة، فغياب الفلسفة عن الحياة العامة جعل الأفراد أكثر عرضة للتعصب، والتفكير السطحي، والانقياد الأعمى للأفكار دون نقد أو تمحيص.
الإنسان لا يولد إنسان ولكنه بالتربية يصبح إنسانا ولكن الإنسان يولد فيلسوف ومع مرور الزمن يتنازل عن فلسفته لأجل الإنتماء إلى الآخر، من حافظوا على روح الفلسفة هم المتمردين، الذين لم يتنازلوا عن حقهم في الفهم الخاص والشك والرفض، من قالوا لا في وجه من قالوا نعم.