الملك الراحل محمد الخامس...قصة نضال من أجل الاستقلال
كتبت ــ هند الصنعاني أنا حواولد المغفور له الملك محمد الخامس سنة 1909 بمدينة فاس، عاصمة العلم والثقافة المغربية، وهو أصغر أبناء السلطان المولى يوسف بن الحسن، عُرف منذ صغره بذكائه وفطنته، مما جعله الخيار الأفضل لقيادة البلاد رغم صغر سنه، عُيّن ملكًا للمغرب سنة 1927 بعمر 18 سنة من قِبل المقيم العام الفرنسي، ظنًا من المستعمر أنه يستطيع السيطرة عليه، لكن الملك الشاب خيّب آمالهم بانضمامه إلى الشعب ومقاومة المستعمر بقوة وحكمة.
كان الملك محمد الخامس رمزًا للوطنية وأحد أبرز قادة المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، حيث رفض باستمرار مطالب الفرنسيين بالتنازل عن العرش، وظل ثابتًا في مواقفه الوطنية، ومع تصاعد حركات المقاومة المغربية ورفض الشعب الخضوع، قرر المستعمر نفي الملك وعائلته إلى كورسيكا في 20 أغسطس 1953، ثم إلى مدغشقر في 2 يناير 1954.
قبل نفيه، شهدت فترة حكم الملك محمد الخامس منعطفًا تاريخيًا في الكفاح الوطني عندما قُدّمت "وثيقة المطالبة بالاستقلال" يوم 11 يناير 1944، كان هذا الحدث تعبيرًا جماعيًا عن تطلعات الشعب المغربي للاستقلال والحرية، دعم الملك هذه المبادرة بقوة، حيث رأى فيها خطوة شجاعة تعبر عن وحدة الصف المغربي، مما أثار غضب المستعمر وزاد من الضغط عليه.
بعد نفي الملك، شهد المغرب تصاعدًا في المقاومة الشعبية، حيث قام الشعب بمظاهرات عارمة وصراعات عنيفة مع المستعمر، تعبيرًا عن رفضهم لنفي ملكهم الشرعي وتعيين "ابن عرفة"، السلطان الصوري الذي وضعه الاستعمار، استمرت المقاومة حتى عودة الملك محمد الخامس إلى أرض الوطن في 16 نوفمبر 1955، حيث ألقى خطابًا تاريخيًا أعلن فيه بداية مرحلة جديدة من النضال نحو الاستقلال.
كانت عودة الملك محمد الخامس حدثًا تاريخيًا كبيرًا أثمرت عن إلغاء معاهدة الحماية واستعادة المغرب استقلاله في 2 مارس 1956، ظل الملك رمزًا للوحدة الوطنية والتضحية، حيث لم يدخر جهدًا في تعزيز الوحدة الترابية وبناء دولة مستقلة.
كان الملك محمد الخامس مثالًا حيًا للتمسك بالأصالة والتقاليد المغربية، حيث ارتبط دائمًا بالجلباب المغربي الأصيل، ولعل الحكاية الشهيرة التي يرددها المغاربة عن رؤية وجهه في القمر تعكس مدى حبهم العميق له، فقد كانت هذه القصة رمزًا روحيًا للنضال ضد الاستعمار وتعبيرًا عن ارتباط الشعب بملكهم.
في إطار توطيد العلاقات المغربية المصرية، قام الملك محمد الخامس بزيارة لمصر في 09 يناير 1960، حيث استقبله الرئيس جمال عبد الناصر بحفاوة بالغة، تبادل الزعيمان القلادات، فقدم الملك قلادة الوسام المحمدي لعبد الناصر، بينما أهداه الأخير قلادة النيل، شملت الزيارة عدة معالم بارزة كالأزهر الشريف، كما شارك الملك في إرساء حجر الأساس لمشروع السد العالي بأسوان، في خطوة رمزية تعكس عمق العلاقات المغربيةالمصرية.
توفي الملك محمد الخامس في رمضان سنة 1961 عن عمر 52 عامًا، تاركًا إرثًا عظيمًا من الوطنية والوحدة، سيظل اسمه خالدًا في التاريخ المغربي والعربي كملك عظيم قاد المغرب إلى التحرر والاستقلال.