فاطمة عمر تكتب: اسطى الكتابة والصحافة
محرر أنا حوا أنا حوافي سنوات التكون اعتدت رؤية كتبه في بيتنا فقد كان أبي رحمة الله عليه واحداً من عشاقه ولأنني في تلك السن كنت اعتمد على الثقافه السمعيه فقد أحببت أنا الأخرى كتاباته من كثرة ما حكى لي أبي عن مضامينها ...إنه الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل
ومرت السنون وبدأت حياتي العمليه مذيعة أخطو أولى خطواتي في العمل الإذاعي الساحر وذات يوم عرفت من بعض أصدقائي إن لم تخني ذاكرتي أن متحف الفن الحديث في دار الأوبرا يقيم حفل تأبين للفنان منير كنعان ولمن لا يعرفه هو واحد من رواد الحركه الفنيه التشكيليه وكثيرا ما شهدت أغلفة مجلة آخر ساعه وصفحاتها على ابداعاته وكان أيضا زوجاً للكاتبه الصحفيه سناء البيسي...ذهبت الى هناك تدفعني حيوية شبابي وحبي لتقديم كل ما هو متميز..تجولت في المكان وإذا بعيني تلمحه لم أصدقها في البدايه فاقتربت منه فإذا به هو اسطى الصحافه المصريه الأستاذ هيكل عرّفته بنفسي فرحب بي وعرضت عليه إجراء حوار إذاعي معه صمت قليلا وابتسم ثم بكل أدب في الكلمات وشياكة في الأسلوب ..رفض استغربت رفضه ورغبةً في إطالة مدة الحديث معه سألته عن السبب فقال{ طول ما فلان وزير الإعلام لن أكون ضيفاً على ماسبيرو}
وقبل أن يتركني ألعن سوء حظي شجعني بكلماته الراقيه واعتذر عن عدم تلبية رغبتي في التسجيل معي ووعدني إذا تغيرت الظروف سنلتقي
تركت المكان وكلماته تهمس في أُذني فقررت التجول في كتاباته وظللت هكذا لسنوات استعدادا للقاء لم يأت
لقد كان هيكل استاذاً بكل ما تحمله الكلمه من معنى تتميز مفرداته بالخصوصيه ..وتعبيراته بالدقة والفلسفة معا ..أما عناوينه فتلك قصة أخرى...فمثلا يقول في مقدمة كتابه لمصر لا لعبد الناصر { كل كتاب له علاقة خاصة بكاتبه فهو قطعة من حياته وعمله وتجربته استؤمنت عليها صفحات وسطور وحروف} ذلك الكتاب الذي أراه على قلة صفحاته مقارنة بكتب هيكل الأخرى واحداً من أهم هذه الكتب لأنه كان فيه شاهد عيان على أحداث ومواقف ومعارك تعرضت للكثير من التشويه ..
لم يكن هيكل من وجهة نطري في كتابته يلعب دور المؤرخ وإنما الحكّاء السارد لوقائع وتفاصيل مسلحاً بوثائق ومعلومات وشهود عيان كان هو في الكثير من الأحيان واحداً منهم ورغم ذلك لم يلبس ابداً عباءة المؤرخ كما يفعل البعض الأن دون علم حقيقي أو رؤية واضحة خالية من أي تشويش
وكان لهيكل رأي واضح في هذا الأمر عندما كتب { إن الذين يعيشون الحوادث هم في غالب الأحيان آخر من يصلح لتأريخها ذلك لأن معايشتهم للحوادث تعطيهم على الرغم منهم دوراً والدور لا يقوم الإ على موقف والموقف بالطبيعة اقتناع والإقتناع بالضرورة رأي والرأي في جوهره اختيار والإختيار بدوره انحياز والإنحياز تناقض مع الحياد وهو المطلوب في الحكم التاريخي}
أما عالم هيكل الصحفي فإذا دخلته وتجولت في دهاليزه فسترى وجه ابداع أخر ملامحه رُسمت بريشة فنان له من الخبرة والحنكة ما يزيدك انبهاراً بهذا الرجل فبعد رحلة تَجَول فيها هيكل بين الكثير من الصحف والمجلات استقر به المقُام والمقَام ايضاً في جريدة الأهرام التي استطاع ان يجعلها واحدة من الصحف العشر الأولى في العالم وهو مدعاة لحسرة ومرارة على ما آل اليه حالها الأن هذا غير مجموة المراكز المتخصصه التي أنشاها هيكل أهمها في رأيي مركز توثيق تارخ مصر المعاصر...وكذلك تميزت الأهرام بصراحة هيكل كتابة وعنواناً لعمود يومي..
لقد كان هيكل قلماً يعرف طريقه الى عقلك..ولغة لا تملها ..وابداعاً لم يمت بالرحيل