عماد فرغلي يكتب.. ماض تولى
أنا حوامشهدان كلما تذكرتهما وقارنت بينهما أتأسى على ماض تولى "أحدهما مبهجا والآخر تعيسا" فالمبهج يعود إلى فترة السبعينيات وما قبلها حين كانت نظافة الشوارع في معظم مناطق مصر أمرا طبيعيا ومستدام ، أما التعيس فهو ما آلت إليه من انتكاسة ، وبالمقارنة بين الأمس واليوم لا أبالغ إن قلت أن الحياة في الأحياء العريقة قبل عدة سنوات كانت أنظف وأرقى من الحياة في معظم المدن الجديدة في الوقت الراهن من أكتوبر للتجمع ومن زايد للشروق.
ولكي أبرهن على صدق قولي سأعود بالذاكرة إلى فترتي الطفولة والشباب من عمري ورغم شح المال بسبب رواتب أهالينا المتدنية في تلك الفترة أزعم أنني كنت أحيا حياة مترفة في منطقة يقال عليها اليوم أنها شعبية ولا أعني بالترف هنا البذخ ولكن الشعور بالرضا ، فقد ولدت في مدينة العمال بإمبابة والتي بنيت معماريًا على التراث الإنجليزي ، وقد صممت جميع منازلها بذات الشكل والمساحة والمضمون فكل منزل يتكون من دورين وروف وحديقة خلفية مزروعة بأشجار وأعناب اما عن شوارعها فكانت جميعها واسعة وبمقاسات موحدة الداخلية منها ١٢ مترا مع رصيفين جانبيين والخارجية ٣٠ مترا و ثلاثة أرصفة مع مساحات خضراء ولكل مربع سكني حديقة كبيرة مستقلة به بالإضافة إلى كافة أنواع الخدمات العامة من مركز للإسعاف ومركز للصحة ومركز للشرطة ومكتب للبريد ومجمع استهلاكي ومجموعة من المدارس الحكومية قبل انتشار المدارس الخاصة وموقف أتوبيسات النقل العام قبل ظهور الميكروباص واخر للترام ومراسي للأتوبيس النهري.
كنت أطل من شرفة المنزل الأمامية فأرى النيل وأطل من الشرفة الخلفية لألتقط ثمرات من المانجو والجوافة وحبات من التوت والعنب، فهل هناك ترف أكثر من ذلك.
المضيء الذي يستحق الإشارة اليه والإشادة به هو حالة النظافة الدائمة التي كانت عليها المدينة في ذاك الزمان الباهي ويشهد الله أنني كنت أرى الشوارع وهي تغسل في الصباح الباكر ولم أرى واحدا من عمال النظافة وهو جالسا على جانبي الطريق يستعطف المارة وبينما كان مشرفهم يتابع عملهم كان مراقبهم يراجع عليهم جميعا.
والمعتم الذي يجب التنويه عنه والتحذير منه هو حال عمال النظافة اليوم في معظم المدن الجديدة وأغلبهم من النساء فتراهم منتشرون بكثرة في الشوارع بزيهم التقليدي وهم جالسون ومعداتهم ملقاة بجانبهم يتناولون الطعام ويحتسون الشاي وكله بالمجان من المحلات الواقعة في محيط عملهم أما القمامة أمام المنازل فتتراكم بالأيام دون أن يحركوا لها ساكنا فإذا ما رأوا أحد قاطنيها توجهوا اليه فإذا أعطاهم جمعوا القمامة من أمام منزله وإذا لم يعطيهم تركوها، أما مشرفهم فهو قريبهم وأما مراقبهم فهو من بلدتهم وهو من عينهم جميعا.
الدولة تنهض والضمائر تمرض وتحتاج للضبط وإعادة وضعها إلى حالة المصنع.